مجزرة حاس وضمير الروس

مجزرة حاس وضمير الروس

04 نوفمبر 2016
+ الخط -
مهما قيل عن وحشية الروس في محاربتهم المعارضة السورية، بالطبع عدا داعش التي مارس الروس وغيرهم جرائمهم في سورية تحت ظلالها، بوصفها تنظيماً إرهابياً، أجمع العالم عليه من خلال سلوكه على الأرض، ومهما قيل أيضاً فيما فعلته آلة الحرب الروسية بشأن المدنيين، وقتلها إياهم تحت أنقاض بيوتهم، بصواريخها الفراغية والارتجاجية التي تجرَّب لأول مرة، إذ لم تستثن، في حربها المجنونة هذه، المدارس والمشافي، بل تعمدتها دون غيرها، ما أدخلها في دائرة مجرمي الحرب.. ومهما فعلت كذلك بشأن مساندة النظام في دمشق اليوم ضماناً لوجودها الدائم في سورية، وتحقيقاً لحلمها التاريخي، في الوصول إلى المياه الدافئة، كما يجمع معظم المحللين السياسيين وقرَّاء التاريخ السياسي العالمي.. أقول مهما فعلت في هذا وذاك وذلك، فإنها تدرك تماماً، وربما أخذت تدرك، أخيراً، أن وجودها في سورية وعدمه غير مرتبط بهذا النظام المتهالك، وإن ارتبط، فسوف تزهق أرواح سوريين كثيرين، وتأخذ المزيد من الأحقاد، ويساهم في عزلها أكثر فأكثر، وهي الدولة التي خرجت من نظام قمعي شمولي، كما زعم قادتها الجدد من يلتسين إلى بوتين، ومعهما الغربُ كله، إلى نظام الحرية، والعدالة، وحقوق الإنسان. وفي النهاية، لن يستمر النظام دونما آلتها العسكرية الوحشية التي تملكها وحدها من دون حلفاء النظام المعلنين..! لكن هذه الآلة الوحشية التي استخدمتها روسيا جعلتها في الفترة الأخيرة، فيما يبدو للجميع، وعبر تصريحات قادتها السياسيين، تعيد حساباتها على نحو أكثر دقة، وخصوصاً بعد مجزرة مدرسة حاس، في ريف إدلب التي فاق ضحاياها 22 تلميذاً ومعلماً، ما ألَّبَ العالم أجمع على هذه الوحشية غير المسبوقة التي منعتها أيضاً من كسب مقعد لها في المجلس الأممي لحقوق الإنسان.. ولعلها من جانب آخر تدرك أن الولايات المتحدة ليست الحليف الأقوى للمعارضة السورية، فالعلاقات الروسية السورية لم تبدأ بحزب البعث، ولا بعائلة الأسد، بل بدأت مع البرجوازية السورية في الخمسينيات، وروسيا الاتحاد السوفييتي هي التي وقفت إلى جانب استقلال سورية ولبنان، وهي التي استضافت شخصيات سورية كثيرة في خمسينيات القرن الماضي، منها مصطفى السباعي، الشخصية الإسلامية المتنورة، والمرشد
العام للإخوان المسلمين آنذاك الذي عاد من زيارته عام 1957 ليتحدث عن الاتحاد السوفييتي حديثاً طيباً، وليكتب كتابه الشهير اشتراكية الإسلام.. ثمَّ إنها، أي روسيا، تعرف حقيقة النظام، وغباء استبداده، وهي التي نصحته، في بداية الثورة السورية، وعبر دبلوماسيين كثيرين، منهم جنرال كبير بأن يقوم بإصلاحات سياسية واجتماعية، وأن يمد يد التلاقي لشعبه، لكنه أبى واستكبر (من مقابلة على قناة روسيا اليوم مع أحد الجنرالات الروس). ولعل الحرس القديم كما قال الجنرال الروسي: "رفض الإصلاحات"، والحقيقة أنه رفض أيَّ نوع من المهادنة مع المتظاهرين السلميين، ما يعنى أنه رفض التنازل عن أيٍّ من مغانمه، وما أعتقد به أنا: أنَّ الإيرانيين لعبوا دوراً في هذا المجال، فهم الأكثر خسارةً من نظام تعدّدي لا طائفي في سورية. ومن هنا، جاء فيما بعد حادث تفجير ما عرفت بخلية الأزمة في أكبر معقل للنظام، حيث لا يستطيع الذباب الأزرق أن يقترب من قيادة الأركان أمام ساحة الأمويين.
ولا يفوتنا، في هذا المجال، ذكر أن الروس حاولوا مراراً فتح أقنيةٍ مع المعارضة التي رفضت أي حلٍّ يبقي رأس هرم السلطة السورية في مكانه، حتى وإن كان في مرحلةٍ انتقالية، فالمعارضة كانت مستاءة من الموقف الروسي المنحاز منذ البداية، ومنذ الفيتو الأول الذي قاد، بالدرجة الأولى، البلاد السورية إلى أسوأ حال.
يضاف إلى ذلك، وهذا الأهم، خطورة معركة حلب، هذه الأيام، واحتمال تحوُّلِها إلى حرب شوارع، واستحالة استخدام الطيران، أو القصف عن بعد بالأسلحة الفتاكة المشار إليها، ما يدعو إلى غرق الروس أكثر فأكثر بالدماء السورية، وهم الذين قدموا بمهمةٍ مدتها ثلاثة أشهر فقط، وعلى الرغم من تضاعف هذه المدة إلى أربعة أمثال، إلا أنها لم تجلب للجيش الروسي، ولا لقيادته السياسية، غير الخزي والعار، وتسويد السمعة الدولية، وهم الذين حصدوا ما حصدوه من مكاسب، قبل هذا الوقت، إذ قاربوا حلولاً لقضايا كثيرة خاصة بهم، إن مع الأميركان أو مع الأوروبيين.
وهناك ناحية غاية في الأهمية، لا تتعلق بصمود الجيش الحر فحسب، بل بحاضنته الشعبية التي تقارب ثلاثمئة ألف إنسان، رفضوا العروض الروسية الأخيرة، في الخروج من وطنهم الصغير حلب، وأصرّوا على البقاء مع أبنائهم وإخوتهم أمواتاً أو منتصرين، ما قوى عزيمة الجيش الحر، وزاد من تصميمه، فوحد صفوفه، وخبرات فصائله، مستنداً إلى دعم أكبر مما كان، وإلى حاضنةٍ شعبيةٍ تشعل روح المقاومة في نفوس عناصره وقادته.
1D1ED1EA-2F95-436E-9B0D-9EA13686FACD
محمود الوهب

كاتب وصحفي وقاص سوري، له عدد من المؤلفات والمجموعات القصصية