مؤتمر الشباب المصري... النظام يحاور مؤيديه

مؤتمر الشباب المصري... النظام يحاور مؤيديه

04 نوفمبر 2016
+ الخط -
عقد في مدينة شرم الشيخ مؤتمر شبابي، حضره نحو ثلاثة آلاف شاب مصري، لا يمكن التسرع في الحكم على نتائجه فور انتهائه. لكن، في الوقت نفسه، يمكن تحليل ما جرى من مناقشات واستكشاف أهدافه، وهذا يعطينا رؤيةً حول ما سينتجه مستقبلا، خصوصاً أنه تم الاسترشاد بما سبق من حوارات مشابهة.
جاء المؤتمر بعد مطالباتٍ بضرورة الحوار مع الشباب، حين شعرت الدولة المصرية بأن قطاعاتٍ منهم غاضبة ومحبطة، وضح تمرد الشباب في اللهجة الناقدة للسياسات الحكومية، وتنامي هذه الحالة بين الشباب الذين يمثلون 51% من المجتمع، ظهر غضب الشباب في المظاهرات المناهضة لاتفاقية التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، كما سبق ذلك عزوف قطاعات منهم عن المشاركة في الانتخابات الرئاسية، كما ضعفت نسبة المشاركة في الانتخابات البرلمانية بشكل أكبر، الانسحاب من المشاركة يعبر عن ميل الشباب لرفض المسار القائم.
على جانب آخر، تأثر الشباب من السياسات الاقتصادية التى أدت إلى رفع الأسعار، وخفضت القدرة الشرائية للعاملين منهم، كما تؤدي نسب البطالة التي تتجاوز 13% ثلثهم من خريجي الجامعات إلى حالةٍ من الإحباط. على جانب آخر، هناك حساسية من عودة انتهاكات جهاز الأمن، خصوصاً أن الفترة من 2014- 2016 شهدت انتهاكات واسعة، تبرّرها الدولة بتكرار حدوث عمليات إرهابية ضد أفراد من الجيش والشرطة. يرى معظم الشباب اليوم أن الثورة انتهت إلى كابوس، رموز ثورية عديدة في السجون بموجب قانون التظاهر، تم الزج بآلافٍ من الشباب وطلاب الجامعات بل وبعض الأطفال. يحلم الشباب، بحكم تكوينهم، بمستقبل مختلف، وهذا ما دفعهم إلى المشاركة في محطات النضال الوطني، منذ بداية التاريخ الحديث لمصر، وحتى اندلاع ثورة يناير.
لكن، في ظل البطالة وندرة فرص العمل وقلة الأجور وعودة السلطوية، يحبط الشباب ويرى
أن مستقبله مظلم. وأمام هذا الواقع، اتخذ المؤتمر طابعاً دعائياً مركّزا على المشروعات القومية، من دون الإشارة إلى فاعليتها، وهل وفرت فرص عمل للشباب وساهمت في حل أزمة الاقتصاد، ووفرت احتياجات الناس.
حين تطرّق المشاركون إلى قضية الحريات، كان الرد إعادة إنتاج للوعود السابقة نفسها، سننظر في تعديل قانون التظاهر وسجل المعتقلين الأبرياء. لم يطرح المؤتمر القضايا الملحة، كالتعليم والبطالة والصحة، بشكل جاد، كان النقاش حولها بطريقة مكرّرة وتقليدية وشديدة العمومية.
وعن المشاركين، من الواضح أنهم اختيروا بعناية، منهم خريجو البرنامج الرئاسي لتأهيل القيادات، شارك منهم 600 شاب، أما بقية المشاركين فقد توزعوا بين شباب الأحزاب التي وافقت على المشاركة. بجانب الشباب، شارك ممثلون للأحزاب التقليدية وبعض من أعضاء مجلس النواب والوزراء.
استهدف الخطاب الشبابي الغالب في المؤتمر، في أحد جوانبه، تخفيف حدة القيود المفروضة على العمل السياسي، وكذلك برز توجه يطالب بتوسيع المشاركة السياسية عبر تأهيل الشباب، لتولى مناصب تنفيذية، كتعيينهم نواباً ومساعدين للوزراء، بينما تكرّرت المطالبات بإفساح الطريق لمشاركة الشباب في انتخابات المحليات، من دون تدخل من أجهزة الدولة، في إشارة إلى تململ بعضهم من انتخابات البرلمان التي فازت فيها قائمة الدولة المسماة "في حب مصر".
كان لافتا للنظر اتفاق مشاركين كثيرين على ضرورة إيجاد كيان سياسي جديد، يهتم بالتنشئة السياسية، ويستوعب الشباب سياسياً. لكن، اختلفت الرؤى حول طبيعة هذا الكيان ما بين إن يتم تأسيس حزب يساند السلطة أو إنشاء جهاز للتدريب السياسي يشبه تجربة منظمة الشباب في الحقبة الناصرية. ومن هذا المنطلق، لم يكن غريبا مشاركة بعض النخب الذين شاركوا في التنظيم الطليعي ومنظمة الشباب وكأنهم يستدعون الماضي.
استهدف المؤتمر توجيه عدة رسائل، منها أن الدولة تريد سد الفجوة بينها وبين الشباب، وتود سماع ملاحظتهم، واختيرت لأجل ذلك نخب شبابية سياسية وصحفية ورياضية. وأكد الخطاب السائد على أن الشباب جزء من صناعة القرار وتوجهات الدولة، وأن يشاركوها، لكن تحت مظلتها، فليس مسموحاً أن تشغل حيزا في المجال العام، بعيداً عن فضاء الدولة وتوجهاتها، وهى الرؤية التي تتضح في تكرار الحديث حول ضرورة التوحد ونبذ الخلاف شرطاً للعبور إلى المستقبل. ويعني هذا المنطق أن أي اختلاف مع سياسات الدولة يعوق مسيرة التنمية، ويشكك فيها، ويبث وعياً زائفاً، هي نفسها الرسالة التي تختصر الكل في واحد، وتسلب حق الناس في الاختلاف، للوصول إلى السياسات والتوجهات الصحيحة التي تمثل مصالح الشعب، عبر نقاش مجتمعي حر وديمقراطي.
يعرف المتتبع للحراك السياسي والشبابي أن هذا المؤتمر الحواري، إن جاز التعبير، ليس الأول
من نوعه، فقد تزامنت الأزمات مع توجه الحكومات المتعاقبة إلى إجراء حوارات مع معارضة النظام، تختار الدولة نوعية من تتحاور معهم وأجندة الحوار. فعلها حسني مبارك من قبل مع رموز الأحزاب التقليدية، حين تشكلت الحركات الاجتماعية والسياسية الجديدة في 2005، وطالبت بالتغيير، ولم ينتج عن تلك المشاهد التمثيلية إصلاحات تذكر، بل غيّر مبارك الدستور ليمهد لتوريث الحكم، وسبق أن أنشأ جمال مبارك جمعية جيل المستقبل، لتكون رافداً شبابياً يسانده، بعد أن نشب صراع بين الوريث والحرس القديم إثر رغبة جمال في تأسيس حزب المستقبل بديلاً للحزب الوطني. وحينها، تم تصعيد جمال ومجموعة من رجال الأعمال في الحزب الوطني.
وشهدت ثورة يناير عدة جلسات حوار متتالية بين رموز شبابية والمجلس العسكري، ونجحت، في جانبٍ منها، تحت ضغوط الحركة الاحتجاجية في إيصال رسائلها للسلطة. استوعب المجلس العسكري المتحاورين، أو تحالف معهم، وأغرى واستمال بعضهم. وعقب حراك "30 يونيو"، عقد كل من زياد بهاء الدين ومصطفى حجازي نائبي رئيس الوزراء جلسات حوار مشابهة، ثم تجددت مع رئيس الوزراء، إبراهيم محلب، وطرحت القضايا المطروحة نفسها اليوم المعتقلين، والتنمية والبطالة وملفات الفساد والحريات.
الحقيقة أن أي حوار مع أي سلطة لن يكون مجدياً في ظل غلق المجال العام وكبت الحريات، وشل حركة المجتمع المدني والنقابات، ومحاصرة أي حراك مطلبي اقتصادي، وحين تختار السلطة أطراف الحوار، بوصفهم تابعين، وليسوا شركاء لا يمكن أن ينتج شيء جديد، والحوار الذي يبدأ بالتحذير من ممارسة حق التظاهر والاحتجاج، ورفع المطالب الملحة هو حوار سلطوي يفقد معناه.
لذا، وربما لا نكون متسرعين، حين نقول إن أي حوارٍ لا يمتلك أحد طرفيه حريته وقدرته على التأثير والفعل، لا يمكن أن يُنتج شيئاً غير ما هو قائم، وأي حوار لا يسمح بتبني بدائل سياسية واجتماعية واقتصادية، ويبدأ وينتهي بفرض التوجهات، لا يمكن أن ينتج واقعاً مختلفاً أو يحل أزمة الشعب، وفي مقدمته الشباب.
D75BB17B-0520-4715-86EC-B6995DA95615
عصام شعبان

باحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية بجامعة القاهرة، أحد مؤسسي الجمعية الوطنية للتغيير، عضو المجلس الأعلى للثقافة لدورتين متتالتين، عضو شعبة العلوم الاجتماعية. أحد كتاب الرأى في صحيفة وموقع "العربي الجديد".يقول: "نفعل كما يفعل السجناء، نربي الأمل".