السياسة على طريقة "هاوس أوف كارد"

السياسة على طريقة "هاوس أوف كارد"

24 نوفمبر 2016
+ الخط -
حظي مسلسل "هاوس أوف كارد" الأميركي بجماهيرية واسعة، منذ بثه أول مواسمه على موقع "نتفليكس" في 2013. وقد نال تقييماً عالياً في المواقع الإلكترونية التي تتناول الأفلام والمسلسلات، ونُشرت شائعات أن المنتمين إلى الحزب الشيوعي في الصين يوصون الصينيين بمشاهدة المسلسل، لأنه "يفضح" أروقة واشنطن السياسية!
وما زالت مواسم المسلسل تتوالى، وينتظر متابعوه موسمه الخامس العام المقبل. في الوقت الذي أصبحت فيه عبارات بطل المسلسل، كيفن سبيسي، عن السياسية اقتباسات متداولة، تنافس في الولايات المتحدة، ربما، الاقتباسات المنقولة عن الآباء المؤسسين.
علاوة على الإخراج المتقن، والحوارات الممتازة، وأداء الممثلين اللافت، وعلى الرغم من الإيقاع البطيء للعمل بشكل عام، جذب "هاوس أوف كارد" المشاهدين من مختلف الدول، لأنه يقارب تصوراتهم عن السياسة، فالمسلسل يعزّز معتقدات الناس الشعبية عن كيفية إدارة السياسة في واشنطن، أو أي مكان من العالم.
كل شيء مباح في السياسة، هذا ما يعزّزه المسلسل، ففي سبيل الوصول إلى منصب مهم، يجب أن يمارس السياسي كل أنواع التآمر، من الابتزاز وتدبير الفضائح الجنسية إلى إجبار الخصوم على الانتحار، أو قتلهم ببساطة. هذه الرؤية للسياسية متجذّرة في وجدان أغلب البشر، لأنهم يرون أشخاصاً أقوياء، لا يعرفون سياقات تشكلهم على الأغلب، وصلوا إلى مواقع القرار بطرق يرونها غير مفهومة، ويبدأون في التصارع فيما بينهم.
تؤثر مثل هذه الأفكار دائماً في التحليل السياسي. هناك طريقة في التحليل، هي كل قصة "هاوس أوف كارد"؛ محاولة لرسم سيناريوهات خفية، ولأنها خفية، ويقع مسرحها خلف الأبواب المغلقة، فهي متوهّمة، ثم تأتي لحظة بناء التحليلات على تلك الأوهام، وتجاهل الوقائع الظاهرة للعيان.
صحيح أن ما يظهر في العيان لا يفسّر كل شيء، ودائماً هناك جانب خفي، من أي قصة، لكن هذا لا يعني أن تُسدّ تلك الفراغات عن طريق الخيال، للوصول إلى سيناريو متماسك، يرضي الجميع. كما لا تعني أن كل ما هو خلف الأبواب المغلقة ابتزاز جنسي، أو تصفية خصم.
في هذه الرؤية، لا مكان للتمايزات الشخصية (إلا في التنافس على تجاوز الأخلاق)، ولا لمراكز الدراسات، ولا لإمكانات المؤسسات السياسية، ورؤية الدولة الاستراتيجية، وتداخلها المؤسسي والتسويات السياسية والرؤى الأيديولوجية... إلخ، فكل السياسية محكومةٌ بالطموحات الشخصية لمجموعة من البشر يحكمون من دركات الأقبية، ويقرّرون كل شيء، بناء على أهوائهم ورغبتهم بأن يكونوا أقوى.
هذا خيال روائي خصب، لم يتلاش بعد، على الرغم من أن ما يُعتبر مؤامرة في السابق، أصبح يتم في العلن، تحت أضواء الكاميرات، وتعقد المؤتمرات الصحافية للحديث عنه (اجتماعات وزيري الخارجية الأميركي جون كيري والروسي سيرغي لافروف بشأن سورية نموذجاً).
هناك عدة طرق لفهم السياسة وتحليل الأحداث، يعتمد أبرزها ببساطةٍ على قدرة المتابع على الوصول إلى معلوماتٍ من الداخل. أن يكون للصحافي أو الكاتب مصادر من داخل الأروقة السياسية، وقدرة على تمييز المعلومات الصحيحة، وتلك التي تنشر من أجل التضليل، ومن خلال تلك المعلومات، يستطيع الكاتب أو المعلق السياسي صياغة رؤيةٍ سياسيةٍ تفسر ما حدث، أو يتنبأ بما سيحدث.
هذه الطريقة هي ما تجعل هذا الكاتب أو ذاك أدقّ في تحليلاته السياسية، لأنه قادر على الوصول إلى معلومةٍ لا تتاح للجميع عادة.
الطريقة الأخرى الأكثر شيوعاً هي قراءة الأحداث السياسية، وربطها بسياقٍ أوسع، مع رؤية تاريخية، تجعل الحدث الصغير جزءاً من مجموعة أحداثٍ أكبر، تسهل صياغة نظرية تفسيرية له.
ليس التحليل السياسي على طريقة "هاوس أوف كارد" ليس حكراً على مجال سياسي دون آخر وشعب دون آخر، فحتى مع أكثر الأنظمة السياسية شفافيةً، وأكثر الشعوب تعلماً، سنجد هذا النوع من التفكير. المشكلة في انتشار تحليلات سياسية، نموذجها "هاوس أوف كارد"، على الرغم من وجود ألف معلومة بدهية، تنقضها.
424F7B7C-113B-40E9-B0BD-EFA3B6791EB5
بدر الراشد

كاتب وصحافي سعودي