إبراهيم عيسى ومعارضة الليل

إبراهيم عيسى ومعارضة الليل

03 نوفمبر 2016
+ الخط -
تتكفّل خدمات وزارة الداخلية المصرية، بأسلحتها وذخيرتها وأطقم ضباطها وعساكرها، بحماية مساكن إبراهيم عيسى وصوره، ذات القطع الذي يصل إلى الأربعين متراً أحيانا، ويعلوها الشارب وتحرسها (الحمالات) على جدران وسط البلد، من ميدان عبد المنعم رياض حتى أسوار القاهرة الجنوبية، من ربع قرن أو يزيد، فكيف بالله عليك فجأة، يخرج الفيل من حنك الإبريق الضيق راقصاً، ومعلناً رسم خريطة معارضة ليلية (لذيذة) تظهر تباشيرها في الأفق، وبدأت تباشيرها في مجلس النواب على يد محمد أنور السادات. ولكن، بعدما (باظت الطبخة) مع السادات، ها هو السعي إلى استنبات معارضةٍ ليليةٍ محروسة بالعصافير والزبدة والآيسكريم وفلوس ساويرس أيضاً، ورجال الأعمال، هو همّ السلطة الآن لإطالة أنفاسها، وفي الظهيرة يسيح الآيسكريم مع الزبدة بالطبع، مع الكحل ومساحيق المعارضة الليلية، أمام إعلانات وعقود وملايين رجال الأعمال، وهذا هو رزق الهبل على اللصوص غير المجانين بالطبع، وهذه بركات (شرم الشيخ) على صبيةٍ ربّاهم الأمن (في خدورهم) على (سمنة مبارك البلدي)، قبل أن تمتلئ الأسواق عن آخرها (بسمنة روابي)، فما بالك بعدما صار الصبية صنايعيةً، يشار إليهم بالبنان وملأت (حمالاتهم) جدران قاهرة المعز، ولهم عيال، صاروا صنايعية أيضاً في كل فج عميق ويتقاسمون من بعيد في المنافع.
لعبة سمجة، وطلاء كاذب، وحوارية ملعوب في مقاصدها تتم في شرم الشيخ ما بين مكرم محمد أحمد، الصنايعي الكبير وصاحب الحارة والترخيص القديم المعتمد، ومماليك وعيال المهنة الجدد، بعدما عمّدهم الباشا في القلعة.
يريد العيال أن يستحوذوا على كل الطلاء والمكياج والكحل من أصابع الباشا، والباشا يضحك في القلعة، فتطير العصافير، ويتعارك العيال على من يجلس قريباً من حجر الباشا أو عليه، ومكرم في حيرة من أمره، والميكروفون في يده، والصوت لم يخنه بعد، ولا حتى البلاغة، ولا الشعارات، والجو طيب، والهواء عليل، والحنجرة على اتساع مزاجها، والباشا يطبطب بعيونه من بعيد على بلاغة الجميع، ومكرم ضاعف في البلاغة، وضاعف من وهجها، لكي يقول للعيال إن الصنْعة أبداً لا تخون (العتايق)، ولا البلاغة أيضاً، مسرحة التعارك على من يكون قريباً من الباشا، ومن مكياج السلطة، كان هو لُب العمل المسرحي بامتياز في شرم الشيخ، ولم يقصّر صاحب دور أبدا، فالعقود مبرمة مسبقا، وللخروج على النص عواقبه، عرض متفق عليه، تحرسه الجامعة (بذخيرة) المصطلح، وينتهي بالطبع بتوصيات.
نحن، إذن، أمام عرض قوي من 3000 ممثل، ويقربهم عدداً، من اللبيسة ومتخصصي المكياج وتنظيم الناس أمام الكاميرا، وخصوصاً حينما يجلس الباشا أو يعلق أو تحدق فيه العيون من الصفوف الخلفية، ويا حبذا لو كانوا من الفتيات اللائي لهن تعبير جميل. ويا حبذا، لو كانت دمعة عند أي قول مؤثر، أو ابتسامة لمعارض كبير السن، بعدما وقعت أسنانه تمهيداً لنقلهم بعد هذا المؤتمر إلى حديقة الخالدين أو متحف الشمع في حلوان.
نحن على أعتاب مسرح تلفزيوني سياسي، على شاكلة مسرح التلفزيون في الستينيات، مسرح يتم بعيداً عن القاهرة ومشكلاتها ومشكلات ماسبيرو وبولاق أبو العلا ومشكلة السكر والجنيه المصري والسيول، مسرح عائم، بعيداً عن مشكلات الناس والتوك توك والتكدس المروري والتعليم والصحة، مسرح يتم الاتفاق عليه في القاهرة، وينفذ في شرم الشيخ، وفقاً لخطة الإنتاج والمأزق السياسي للباشا وظروف القلعة.
مسرح، كي يهرب الباشا إلى الأمام، سواء بالتجهيز للحج، أو طهور الأمراء الصغار أو تنصيب بعض المماليك، أو توزيع بعض الأراضي على بعض الشمشرجية أو أرامل المماليك اللائي بعن أراضيهن وبنين المساجد حتى في مالطة وتبرعن بالعشور للعميان والأيتام والتكايا والأسبلة.
مسرح كان ينقصه الشيء البسيط، كي يكتمل ويتماشى في همومه مع مسرح التلفزيون المصري في الستينيات، ينقصه (حتة ناصري على حتة يساري من بيت الكلوة)، ولا مانع أيضاً من وجود رموز فقيرة من قوى الشعب العاملة (شوية فلاحين، حتى من أبو النمرس، مش الصعيد، على شوية صنايعية من عمّال الطوب، وليكن من البدرشين، بالزي الرسمي بالطبع)، وعموماً هذا يمكن تداركه في المؤتمرات التالية.