منع الأذان وإباحة النفخ بالبوق

منع الأذان وإباحة النفخ بالبوق

17 نوفمبر 2016
+ الخط -
قبل أكثر من عام، وتحديداً في أواخر شهر مايو/ أيار 2015، أصدر المركز الإعلامي المتخصص في شؤون القدس "كيوبرس"، بياناً قال فيه إن "سعياً يجري لشرعنة طقوس المستوطنين التلمودية في أثناء اقتحامهم المسجد الأقصى". وكانت مناسبة البيان رد قاضية محكمة "الصلح" في القدس المحتلة، ميريت بورار، طلب شرطة الاحتلال إبعاد مستوطن عن المسجد الأقصى، بعد أن حاول اقتحامه من باب القطانين، وبيده بوق الصلاة اليهودي، للنفخ فيه داخل الحرم القدسي الشريف، في خضم ما تسمى "ذكرى خراب الهيكل". وقالت يومها إنها غير مقتنعة بأن تكون عملية النفخ في بوق الصلاة اليهودي داخل المسجد الأقصى، خرقاً للوضع القائم فيه، وأن "النفخ في البوق لا يشعل الأجواء في المسجد الأقصى، وبالتالي، ردت طلب شرطة الاحتلال بإبعاد المستوطن عن المسجد الأقصى، بحجة عدم اقتناعها به". وبالطبع، ليس ثمّة قانون في إسرائيل يمنع النفخ في البوق، وهو يصدر صوتاً مزعجاً جداً، في الأعياد اليهودية، والإعلان عن حلول السبت.
ونشرت طال ليئور، (كاتبة محسوبة على اليسار في إسرائيل) مقالتها في صحيفة "إسرائيل اليوم" (15/11/2016) "قانون المؤذن ليس ضد الدين بل في صالح المواطن"، حاولت فيه أن تبرّر سن قانون إسرائيلي يمنع إقامة الأذان في الأقصى، والمدن الفلسطينية داخل الأراضي التي احتلت عام 1948، باعتباره قانوناً عصرياً، يمنع الضجيج، ويؤمّن الراحة للقاطنين قرب المساجد، مع أنها تعترف أن صوت البوق كان يزعجها، ولكنها لم تطالب بقانونٍ يمنعه. كتبت ليئور: إليكم اعترافٌ صغير. في المبنى الذي سكنت فيه، حتى الوقت الأخير، في رعنانا، قرّر أحد الجيران إقامة كنيسٍ في الطابق الأرضي. وكمن تحترم التقاليد والإرث الإسرائيلي، أذهب أحيانا إلى الكنيس، عانيت من ذلك كثيرا. لا أريد الاستيقاظ في يوم السبت في الصباح الباكر، ليس بسبب نداء الله أكبر أو بسبب الكنيس. أريد النوم بهدوء، والاستراحة بعد أسبوع العمل.
في التبرير الذي ساقته لجنة الوزراء للتشريع في إسرائيل، ووافقت فيه، أخيراً، على ما يسمى "قانون المؤذن" الذي يمنع استخدام مكبّرات الصوت في المساجد، قالت "إن مئات آلاف من
الإسرائيليين يعانون يوميًا من الضجيج الناجم عن صوت الأذان المنطلق من المساجد". ويقوم القانون المقترح على فكرة أن "حرية العبادة والاعتقاد لا تشكل عذرًا للمسّ بنمط الحياة ونوعيتها". والمعروف أن مشروع القانون الذي طرح في السابق رفض مراتٍ، بسبب الخلاف الجماهيري وغياب التوافق في اللجنة، فما الجديد؟ وما سبب "التوافق" عليه أخيراً، ودعمه من رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو الذي قال إنه يؤيد اقتراح قانون "تقييد قوة الضجيج الناتج عن مكبرات الصوت في مراكز العبادة"؟ هل السبب فعلا هو الضجيج الصادر عن الأذان؟ إن كان ذلك كذلك، فلم لا يتم منع النفخ بالبوق، وقرع أجراس الكنائس؟ بل لماذا تمت تسمية القانون "قانون المؤذن"، وليس قانون منع الضجيج؟
لو رصدنا الأصوات الصهيونية التي تتحدث عن المسألة، لعرفنا السبب، فمنذ بداية العام الجاري، توالت تهديدات العدو الصهيوني بمنع الأذان، مرارًا وتكرارًا، وكان جديدها في مارس/ آذار الماضي، حينما كشفت صحيفة هآرتس الإسرائيلية، أن أعضاء اللجنة الوزارية للتشريع في الحكومة الصهيونية ستقرّر موقفها من مشروع القرار المقدم لمنع استخدام الميكروفونات لرفع أذان الصلوات الخمس للمسلمين، بزعم "أن مئات الآلاف من مواطني إسرائيل في مناطق الجليل والنقب والقدس وتل أبيب ويافا، ومناطق أخرى في الوسط، يعانون من ضوضاء صوت الأذان، وخصوصاً أذان الفجر"، على حد وصفها. وقالت حينها إن المبرّر لتقديم هذا المشروع أن ممارسة الحقوق الدينية لا يجب أن يكون على حساب الحريات الشخصية، علما أن المشروع تقدم به وزراء من حزب البيت اليهودي اليميني المتطرّف، حيث قالوا إن مواطني "الدولة!" أصبحوا يشعرون بالضجر من أصوات أذان الصلوات.
وفي يناير/ أيار الماضي، هدّد نتنياهو بإسكات مكبرات الصوت من مآذن المساجد خلال الأذان في المدن العربية داخل إسرائيل، وقال "في إطار زيادة تطبيق القانون فى المجتمع العربي، ستتم معالجة الضجيج المنبعث من المساجد". وأعلن نتنياهو، في وقت سابق، أنه يدعم القانون الذي قدمه حزب إسرائيل بيتنا، بزعامة اليميني المتشدّد، أفيغدور ليبرمان، في فترة الحكومة السابقة، لمنع استخدام مكبّرات الصوت في المساجد، مضيفاً أنه سيتم تطبيق قوانين التنظيم والبناء التي لا يتم تطبيقها بتاتًا، ومعالجة التحريض في المساجد (!)، والجهاز التعليمي وجمع الأسلحة غير القانونية، ما يعني أن القصة ليست قصة ضجيج فقط، بل هي تطبيق عملي لسياسة التهويد الممنهج لفلسطين، وإزالة أي رمزٍ يؤشر على عروبتها، وإسلاميتها، خصوصاً أن الأذان، كما تقول النائب العربية في الكنيست حنين الزعبي، جزء من المشهد الوطني والثقافي، في فلسطين، وبقية بلاد العرب والمسلمين، وهو صوتٌ لم يزل يذكّر الاحتلال بعروبة فلسطين، وإسلاميتها، ولو كان الهدف منع الضجيج كما أسلفنا، لشمل المنع قرع النواقيس، والنفخ بالبوق.
ويبدو أن ثمة مغزى آخر أشدّ خطورة، يؤشّر إليه "قانون المؤذن"، وهو قياس مدى تفاعل المسلمين والعرب عموماً في العالم وغضبهم، مع منع رفع الأذان في الأقصى الشريف تحديداً، ربما تمهيداً لاقتراف جرائم جديدة، أكثر عدوانيةً، بحق الحرم القدسي.