نساء الرّيع السياسي

نساء الرّيع السياسي

17 نوفمبر 2016

مغربيات يتظاهرن ضد حديث لبنكيران عن المرأة (24/6/2016/فرانس برس)

+ الخط -
تدخل ليلى البرلمان، أوّل مرة منذ فوزها في الانتخابات، ضمن اللائحة الوطنية للنّساء (الكوتا)، ممسكةً بيد صديقتها. يتبعها والدها مسجّلًا دخولًا معتادًا في مسار سياسي حافل. تبلغ ليلى أربعةً وعشرين عاماً، وتبلغ صديقتها ستة وعشرين. لا يبدو أنّهما تعرفان عن مهامهما البرلمانية أكثر مما يعرفه الباقون الآتون عن طريق الرّيع السياسي، الذي جاء ليعزّز التوافق السياسي، بمكاسب ضيّقة للأحزاب الكبرى في المغرب، المستفيد الرّئيسي من اللّوائح الوطنية.
تحمل هذه اللّوائح مرشّحين علاقتهم بالعمل السّياسي محدودة، أو منعدمة في الغالب، يتمّ اللّجوء إليهم في آخر لحظة، بعد تغلّب أحد الفائزين في الصّراع بين المتطلّعين إلى هذا المكسب السّهل، من أقارب (ومعارف) الوجوه البارزة في الأحزاب التي يستند عليها معظم برلمانيي "الكوتا"، فمنهم من يرشّح ابنته، أو زوجته، أو نسيبته، أو صديقته، في اللائحة الوطنية للنّساء، ومن يرشّح ابنه، أو أخاه، أو ابن عمه، أو المؤلّفة قلوبهم إلى حين، في لائحة الشّباب.
عادةً ما ينام برلمانيو هذه اللّوائح في العسل طوال الخمس سنوات، ولا نرى لهم إلاّ فيما ندر إطلالةً سياسية، أو موقفاً ما، وحين يفعلون يُفضح الأساس الهشّ الذي يقفون عليه، وضحالة قدراتهم على اتخاذ قرارات موفّقة، حتى في مسائل بسيطة، مثل كتابة تدوينةٍ "فيسبوكية" بشأن موضوع حسّاس.
قبل أيّام، مباشرة بعد حادث مقتل بائع السمك محسن فكري، والمسيرات التي خرجت في منطقة الرّيف المغربي، خرجت برلمانية حمَلها الرّيع، بتصريحٍ مثير للجدل على صفحتها في "فيسبوك"، بشأن المتظاهرين في الريف، احتجاجًا على مقتل محسن فكري: "كان الحسن الثاني محقًا حين وصفهم بالأوباش"، فأثارت زوبعة من ردّات الفعل على موقفها العنصري، إلا أن هذه الزّوبعة، على الرغم من عنفها، لم تصل إلى درجة عاصفةٍ تطير بها من فوق كرسيها الثّمين. إذ جمّد حزب الحصان (الاتحاد الدستوري) عضويتها فقط، فعلى الرغم من الأضرار التي تسبّبت بها البرلمانية، إلا أنّه لم يستطع الاستغناء عن مقعدها الذي اقتنصه من فم الأسد بشقّ الأنفس.
فهل تحمل اللّوائح الوطنية كوارث سياسية فقط؟ وماذا تحمل اللّوائح المحلية إذن؟ هذا المنطق
الذي يساوي في النّتيجة بين برلمانيات نساء، وبرلمانيين شباب يدخلون البرلمان عن طريق لوائح الرّيع، وبين منتخبين آخرين يدخلون على أكتاف اللّوائح المحلية، لم يؤدّ وجودهم في البرلمان إلى تحسّنٍ في أداء المؤسّسة التّشريعية التي ينتمون إليها، وللسّلطة التي يمثلونها، يجد تبريره في الأداء الذي يوقّع عليه هؤلاء طوال الفترة التّشريعية التي يُحسبون فيها على مؤسسة البرلمان، فتتمّ المصادقة على معظم القوانين بنسب مخجلة، على الرغم من حساسيتها وتأثيرها في مصائر المواطنين. وأفضل نموذج على ضعف حسّ المواطنة لدى معظم البرلمانيين المغاربة قانون التّقاعد الذي أثار نقاشًا ساخنًا، ورفضًا من المواطنين. لكن لم يحضر المصادقة عليه إلّا عدد هزيل من ممثّلي الأمة، فتمّ تمرير هذا القانون بـ27 صوتا مقابل 20 فقط.
وهذا لا يبرّر ضعف أداء "برلمانيي الكوتا"، إذ إلى جانب تكريس هزال الأداء البرلماني، تغطّي نسبة حضور النّساء في البرلمان التي تتيحها "الكوتا" على وضعية المرأة في المجتمع المغربي، بدلاً من الاشتغال على نسب حضورهن في المؤسّسات السياسية، من داخل مؤسّسات المجتمع الكبير أولًا، ومؤسّسات المجتمع السياسي ثانيًا. من دون اللّجوء إلى حلول ترقيعية، تبدأ من القمة بدلاً من أن تحفر في القاعدة.
فمن شأن تحسين نسب حضور النساء من دون حصص "الكوتا" إحداث تغيير جذري ونوعي في طبيعة النّخبة السياسية، عبر العمل القاعدي في التّوزيع العادل لفرص النّمو والتطور الاجتماعي والسياسي، بأن تتاح للمرأة فرص متساوية في التّعليم والعمل، والنّمو في القدرات الشّخصية. وبالتالي، منحها الفرصة لاستحقاق الحضور داخل قبّة البرلمان. عدا ذلك، ستكون كل الإجراءات ذرًا للغبار في الأعين، وتغطية للشّمس بالغربال.
وبالنّظر إلى الأرقام التي سجلتها النّساء في المشهد السياسي، نصل إلى ملاحظاتٍ أساسية، تبدأ مع وصول نائبتين إلى البرلمان لأول مرة سنة 1993، واستقرار هذا العدد تقريبًا في كلّ
الانتخابات اللّاحقة، إلى حدود إحداث "الكوتا". وحتى بعد إحداثها، بقي عدد اللّواتي ينجحن في اللّوائح المحلية خارج مظلّة "الكوتا" لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة. واللّواتي لهن ثقة كبيرة في الرّصيد الشعبي لهن أو لحزبهن هن من يترشّحن في هذه اللّوائح، أو المُغامرات وصاحبات مبدأ اللاتمييز الإيجابي الذي لا يقضي على التّمييز السلبي. وقليل من هنّ من ينجح، إذ أن المُراهنات على النّجاح، يخترن السّبيل الأضمن وهو اللّائحة الوطنية، التي مع كل الضّمانات التي تقدّمها، في غياب منافسة الرّجال، إلاّ أن شخصياتٍ سياسية معروفة فشلت في الصّعود عبرها، وأبرزها الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد، نبيلة منيب.
ولا يقتصر التّمييز الإيجابي للمرأة في الانتخابات على الانتخابات التشريعية، إذ حافظت المنظومة الانتخابية على الآلية التشريعية المتعلّقة بإحداث دائرةٍ انتخابيةٍ إضافيةٍ خاصة بالنّساء، على مستوى كلّ جماعة أو مقاطعة جماعية، والتي مكّنت سنة 2009 من انتخاب 3465 امرأة، إلا أنه خارج هذا الآلية أيضًا، يبقى حضور المرأة، بوصفها فاعلاً سياسياً محلّياً، خجولاً ومتواضعاً.
لا تؤشّر هذه الآليات التّمييزية على وجود رغبةٍ حقيقيّة في إشراك المرأة، بقدر ما تؤشر على عقم مزمن في تجديد النّخب. وغياب سياسات جذرية لإشراك المرأة في الحياة السياسية، أو نظرة تقديرية لا تدخل في نسقٍ عامٍ، لا يشجّع مشاركة المرأة إلاّ بشكل ظاهري، عبر إجراءات شكلية، لا تؤثر فعليًا على توجه المرأة نحو المشاركة السياسية.
كما أن النّتائج التي تحصل عليها المرأة في الانتخابات، خصوصاً عبر الإجراءات الاستثنائية مثل "الكوتا" لا تؤثر إيجابيًا على وضعية المرأة المغربية. سواء من حيث الدّفاع عن حقوقها، أو إسماع صوتها في القضايا التي تعني المجتمع ككل، ولا في تقديم قدوة للنّساء، لتشجيعهن على الإقبال على ممارسة الحقوق السّياسية عبر جميع القنوات.

دلالات

596D72F8-6B45-4709-8735-7AC0F35F2CE1
596D72F8-6B45-4709-8735-7AC0F35F2CE1
عائشة بلحاج

كاتبة وصحافية وشاعرة مغربية

عائشة بلحاج