رقصة الذبيح في مصر

رقصة الذبيح في مصر

17 نوفمبر 2016
+ الخط -
في أثناء اعتصام ميدان رابعة العدوية في القاهرة، خرج أحد فلاسفة عبد الفتاح السيسي من أروقة حزب التجمع التقدمي الوحدوي، وقال دعوهم: إنها رقصة الذبيح. صار القائل فيما بعد كاتبا لتترات مسلسلات السيسي في كل رمضان، مثلما صار ثروت الخرباوي كاتبا للمسلسلات والأغاني في الإذاعة والتلفزيون ومؤرخا أيضا للأحداث، وأسميهم "كتّاب كيد النسا".
المهم أن المذابح الحقيقية بدأت من أمام مقر الحرس الجمهوري، ثم توالت أخواتها أمام المنصة ثم ميدان النهضة فميدان رابعة، فوزّعوا "الرز أبو لبن" فرحا. وقالوا: اليوم انتهت وسقطت ورقة الإخوان للأبد. وجاءهم بالطبع "الرز الحقيقي" من خزائن الخليج، لكي يزيدوا مكسّرات الرز أبو لبن عدداً، ويرقص الشعراء الكبار (رقص كيد نسا أيضاً) على "تسلم الأيادي" باللاسات البيض والجلاليب البيض، وينهض الجيش ويشقّ الطرق، وتفرغ سيناء من أهلها في مناطق رفح والشيخ زويد، وتنعم إسرائيل بالعيش السعيد مع هذا الجار العربي، بثوبه الجديد وبرزّه الوفير.
وتوالت المذابح أمام جامع الفتح 1 و2. وفي كل مرة يقول القائل من بقية الأحزاب وجماعات ومصالح "كيد النسا": إنها رقصة الذبيح وقد طالت. .. كي تحرّض السلطة على مزيدٍ من إراقة الدم، وصارت أغنية "تسلم الأيادي" كالتميمة مع سواقي "التوك توك"، حتى إن السواقين كانوا يقولون لبعضهم: خالف المرور والإشارة وحظر التجول، وحتى الجن الأزرق، المهم تكون مشغّل "تسلم الأيادي".
وتوالت المذابح عاصفةً، حتى لم يعد يهتم بعددها وقسوتها إلا المؤرخون وحدهم، وفي كل مرة تخرج عصابات المصالح مساءً على فضائيات رجال أعمال النظام، ويقولون قولاً واحداً: هذه حلاوة الروح، انتهوا، لكنها بعض الجيوب التي كانت نائمةً هنا أو هناك، ومعظمهم من القرى البعيدة التي ما زالت تحنّ إلى عصر الزيت والسكّر.
يحفر السيسي تفريعةً في قناة السويس، يسمونها "قناة السويس الجديدة". قالوا إن مدخولها سيكون ضعف مدخول الأولى (لمّا البنت وهي في بطن أمها يقولوا عنها طول أمها مرتين، لمّا تتولد هيكون طولها قد أمها كم مرة؟ وهي على وش جواز هتكون كام؟ واضح سيكون طولها في طول آدم وحواء، وكما يقال: في الخمسين ذراعا)، فلمَ لا تطول رقصة الذبيح في مصر سنوات؟
المهم أن القناة الجديدة جادت ببركاتها، فنقص دخل القناة الأم، وما زال اللواء مهاب مميش صاحب الفكرة، والتي تمت الموافقة عليها بالتليفون، تمد له الخدمة سنوات أخرى، بعدما تجاوز الستين، وما زال جالساً بالبيريه بالمنظار يعد للجرائد كل يوم عدد السفن التي عبرت في القناة، من دون أن يحدد العدد الفعلي الذي مر بالأم، وما العدد الفعلي الذي تشرّف بالمرور في مياه البنت، المهم أن ريع الأم والبنت لم يتجاوزا ريع الأم سابقاً، فلماذا أنجبت الأم البنت، طالما لم تظهر لها بركة في ميزانية الدولة. قيل إن مزارع السمك والكافتيريات على جنباتها تعوض مهر الأم والبنت معا، فلماذا عوّمت الحكومة الجنيه؟ وهكذا. إذن، لا بد أن يرقص الذبيح هكذا في مصر، وسنوات أخرى.
فإذا كان "ذبيح الإخوان" يرقص مخنوقاً من الألم منذ سنة 1928، مرورا بمقتل مرشدهم و 1954و 1959و1964 حتى 2013، فأنت أمام "أعجب ذبيح" في أعجب بلد، وهي مصر، بلد الأعاجيب والضحك النادر مرتفع السعر في الأسواق العالمية، والذي يصل إلى أن ينافس في سعره الذهب (بجد والله)، لا لشيء، ولكن لسواده، وصدق من قال: ضحكٌ يشبه البكاء تماما، وهذا سرّ ندرته.
وهنا، كان الذبيح قد أشرف على الموت في 11/11/2016، وبدلاً من أن تتجهز السلطات بالجزارين، لتوزيع لحمه على المساكين في القرى والنجوع، وتجهيز حفلة مملوكية معتبرة في القلعة لهذا الشأن الذي يحدث مرة كل مائة سنة، أو أقل أو أكثر، إذا بالقوات المسلحة تتوزع بكاملها على ميادين مصر بالأسلحة والمدرعات، وإذا بمحطة السادات في ميدان التحرير الذي كان نبراسا لثورة قبل ثلاث سنوات فقط، نزل فيها 33 مليونا، يتم غلقها بالضبة والمفتاح، كل ذلك من أجل ذبيح يحتضر منذ ثلاث سنوات وشهور؟ فأين ذهبت الملايين التي خرجت لكي تذود عن عرين ثورتها. نعم كان هناك خمسة أفراد ببرانيط، لزوم أكل العيش واليومية، أرفع لهم القبعة لسعيهم على أرزاق أولادهم.