حين يراهن دحلان على غزة

حين يراهن دحلان على غزة

02 نوفمبر 2016

يحاول دحلان مغازلة "حماس" في غزة (16سبتمبر/2015/فرانس برس)

+ الخط -
تندرج المؤتمرات التي تنظم حالياً في مصر، وتجمع شخصياتٍ حزبية وأكاديمية وإعلامية من قطاع غزة، في إطار عقوباتٍ شرع نظام عبد الفتاح السيسي بفرضها على رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، في أعقاب رفضه التصور الذي قدمته "الرباعية العربية" لصياغة قيادةٍ فلسطينيةٍ جديدة، تمهيداً لمرحلة ما بعد عباس، يكون للقيادي المفصول من حركة فتح، محمد دحلان، دور رئيسي فيها، فبعد أن أغلق تقريبا كل قنوات الاتصال مع عباس، عمد السيسي إلى خطواتٍ تهدف إلى تحسين قدرة دحلان على المناورة داخلياً، لمراكمة النفوذ على حساب عباس، من خلال تكريس انطباع بأن غزة مقبلة على تحولات "إيجابية"، على صعيد تخفيف مظاهر الحصار والسماح بحرية الحركة للأفراد والبضائع بين غزة ومصر، ونسب "الفضل" في ذلك إلى دحلان. ولعل المؤتمر الذي سينظم في القاهرة قريباً، ويفترض أن يشارك فيه رجال أعمال فلسطينيون من القطاع، برعاية مصرية، يمثل أوضح التحركات الهادفة إلى التدليل على حرص دحلان على تغيير الواقع الاقتصادي في القطاع. ولم تقف الأمور عند هذا الحد، فقد أبلغت جهات "سيادية" مصرية قياداتٍ تنظيميةً، ورجال أعمال فلسطينيين، أن القاهرة تدرس افتتاح منطقة تجارة حرة على الحدود بين مصر والقطاع، لتسهيل حركة انتقال البضائع في الاتجاهين.
ومن الأهمية الإشارة، هنا، إلى أنه، باستثناء المؤتمرات التي تنظم، والشائعات التي تطلق حول التوجهات المصرية الجديدة، لم يحدث أي تغيير جذري على واقع الحصار الذي لا يزال نظام السيسي يفرضه على القطاع، ولا سيما في كل ما يتعلق بإغلاق معبر رفح بشكل شبه دائم.
مع ذلك، هناك أساس للاعتقاد بأن السيسي قد يغير جزئياً سياساته تجاه القطاع، ليس فقط من باب الأخذ بالاعتبار مصلحة دحلان، بل لأجل مصلحة نظام السيسي نفسه أيضا. فكما يرى ممثلو الجهات "السيادية" المصرية الذين يتواصلون مع أطراف عدة في القطاع، فإن مصر التي تعاني نقصا كبيرا في الدولار ستفيد من ناحية اقتصادية بشكل كبير من حركة التجارة مع القطاع، حيث أن التجار ورجال الأعمال الغزيين سيشترون البضائع، ويدفعون مقابل الخدمات التي يحصلون عليها بالدولار.
في الوقت نفسه، تعي المؤسسات الأمنية المصرية تماما أن غزة لا تلعب أي دور سلبي في
الواقع الأمني داخل سيناء، وبالتالي، فإن مسوغات الحصار الأمنية غير قائمة من ناحية فعلية.
وتكمن المفارقة في أن كلا من نظام السيسي ودحلان يتعاطيان حالياً بشكل مختلف مع حركة حماس، التي تدير شؤون غزة، فالسيسي يصر على موقفه الرافض للتعاطي معها، ويتواصل ممثلوه مع الحركات والمؤسسات الاقتصادية والأطر النقابية في غزة مباشرة، في حين أن دحلان يحاول مغازلة "حماس"، ويوحي، من خلال اتصالات يجريها مع قيادات فيها، بأنه في الوسع التوافق مع الحركة على خطوط عامة في المرحلة المقبلة.
وفي المقابل، فإن "حماس"، وبخلاف ما يقال، تتحفظ على التواصل مع دحلان، ولا تبدي حماسا للتوافق معه، لتخوفها من المظلة الإقليمية التي يعمل ضمنها، والتي تستهدفها بشكل مباشر، إلى جانب استدعاء الحركة تجاربها المريرة معه، ولا سيما عامي 1996 و2007.
من ناحية موضوعية، إلى جانب التخوف المشروع من طابع دوره الإقليمي، لا يمكن أن يقنع دحلان أحداً بأن علاقاته الإقليمية يمكن أن تساعد في تغيير الواقع الفلسطيني، وتحديداً في غزة بشكل جذري، حيث أن المحور الإقليمي الذي ينتمي إليه بات منقسماً على ذاته، تتنازعه الخلافات وتباين الأولويات. إلى جانب ذلك، يعد الرهان على التنسيق مع دحلان مغامرةً غير محسوبة، حيث أن تجربة دحلان الشخصية في العمل العام دلت، بما لا يقبل الجدل، على أنه لا يجيد أكثر من التشويش على الآخرين من خلال ممارسة الفهلوة السياسية والأمنية، لكنه عجز دوماً عن الإسهام في بناء مشهد سياسي فلسطيني جامع، وفشل في ساعة الاختبار.
إلى جانب ذلك، يتوجب أن نذكر أن دحلان، على الرغم من حرصه على إحاطة تحركاته أخيراً
بالإثارة، في أضعف محطات حياته العامة وأكثرها حساسيةً، حيث أن التئام المؤتمر العام السابع لحركة فتح في الضفة الغربية، أواخر نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، يعني إسدال الستار نهائيا على أي دور جدّي، يمكن أن يلعبه مستقبلا. ويعي دحلان أنه سيتحول إلى بطةٍ عرجاء، بعد عقد المؤتمر العام، حيث سيفقد موطئ القدم التنظيمي الذي كان يمكن أن يسمح له بالتنافس على دورٍ رئيسي في المشهد السياسي الفلسطيني مستقبلا.
لا يعني ما تقدم أن تغفل "حماس" عنصر المناورة السياسية في التعاطي مع دحلان وتوظيفه، إن كان ممكناً، في إعادة صياغة المشهد الفلسطيني، ولا سيما بعدما دل لقاء الدوحة بين عباس وكل من رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، خالد مشعل، ونائبه، إسماعيل هنية، أن فرص إنهاء الانقسام الداخلي باتت تؤول إلى الصفر. يعي دحلان أن "حماس" التي تسيطر على الأرض وحدها من تمنحه القدرة على مراكمة النفوذ، وبالتالي، بالإمكان إبداء المرونة تجاه تحركاته، مع الأخذ بالاعتبار المحاذير الآنفة.
يجب أن نذكر دائماً أن دحلان لم يقدم على تحركه أخيراً تجاه داخل قطاع غزة، بدعم من السيسي، إلا بعد إحباط مخطط "الرباعية العربية" لفرض قيادة جديدة للسلطة الفلسطينية، حسب مقاييس أرباب الثورات المضادة في العالم وأربابهم، تكون جاهزةً لضبط سلوكها لتتلاءم مع الخطوط الحمراء لحكومة اليمين الديني المتطرّف في تل أبيب. ولا حاجة للقول إنه سواء تمكن الفلسطينيون من التوافق على قيادةٍ فلسطينية، بعد غياب عباس عن المشهد السياسي، أو انتهت الأمور إلى الفوضى، فإن السيناريوهين يبقيان أفضل كثيرا من منح معسكر الثورة المضادة في العالم العربي الحق الحصري في تصميم المشهد الفلسطيني.