عندما يعلن "الشاباك" خطراً على الأقصى

عندما يعلن "الشاباك" خطراً على الأقصى

27 أكتوبر 2016
+ الخط -
كشف جهاز المخابرات العامة الإسرائيلي (الشاباك)، أخيراً، عن مخطط يهودي خطير لهدم المسجد الأقصى، وبناء ما يسمى الهيكل على أنقاضه، وقد تم كشف ذلك في مداولاتٍ أجرتها محكمة العدل العليا الإسرائيلية في التماسٍ تقدّم به رئيس ومركز المنظمة الإرهابية اليهودية المسماة (عائدون للهيكل)، وذلك ضد قرار المحكمة العليا الإسرائيلية بمنعهم من دخول مدنية القدس المحتلة، فترة الأعياد اليهودية أخيراً، وذلك استناداً لمعلوماتٍ محدّدة قدّمها جهاز الشاباك للمحكمة، بشأن نية أعضاء المنظمة الإرهابية المذكورة استهداف المسجد الأقصى المبارك. حيث ذكر موقع والا العبري، في 23 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، أن استهداف المسجد الأقصى المبارك، من شأنه أن يشعل حريقاً كبيراً في الأراضي الفلسطينية والعالمين العربي والإسلامي، وستكون إسرائيل ورعاياها أكثر الخاسرين. وعليه، قدّم جهاز المخابرات الإسرائيلية توصيةً واضحةً للمحكمة العليا بضرورة منعهم من دخول مدينة القدس المحتلة، فترة الأعياد اليهودية أخيراً.
على الرغم من اعتراف جهاز المخابرات الإسرائيلية بأن المخطط الذي تنوي هذه المجموعة الإرهابية تنفيذه يشكل خطراً كبيراً وكفيلاً بإشعال حريقٍ كبيرٍ في العالمين العربي والإسلامي، إلا أن "الشاباك" لم يعتقلهم، بل اكتفى بتقديم التوصية للمحكمة بمنعهم من دخول مدينة القدس، مع العلم أن من مسؤوليات جهاز المخابرات الإسرائيلي مراقبة الجماعات اليمينية المتطرفة اليهودية ومتابعتها، إضافة إلى مسؤوليته عن كل ما يتعلق بالساحة الفلسطينية، ففي وقتٍ يتم فيه اعتقال آلاف الفلسطينيين، وبدون أية محاكمات، لمجرد وجود شبهاتٍ ضعيفةٍ، حول نيتهم القيام بعمليات مقاومة ضد الاحتلال. أما أن تتوفر هذه المعلومات الخطيرة لجهاز الشاباك، ولا يعتقلهم، فهذا يعكس السياسة الرسمية الإسرائيلية بالتعامل السهل والليّن معهم، ومدى تغلغل هذه الجماعات اليمينية المتطرّفة وقدرتها على التأثير في المستويات السياسية والأمنية.
تشكلت منظمة "عائدون إلى الهيكل" اليهودية الإرهابية قبل أربع سنوات، من مستوطنين يطلق عليهم اسم "شبان التلال"، ويقطنون المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية، ومعروفين
بارتكاب جرائم كثيرة بحق المواطنين الفلسطينيين وممتلكاتهم، تحت شعار تدفيع الثمن، كما حدث مع عائلة دوابشة في منطقة نابلس قبل أكثر من عام، عندما تم إحراق منزلها، وأفراد العائلة نيام، ما أدى إلى استشهاد ثلاثة منهم حرقاً، وإحراق مساجد وكنائس وحرق كروم العنب والزيتون في عدة مناطق في الضفة الغربية. وذكرت تحقيقات عديدة قامت بها عدة مؤسسات حقوقية إسرائيلية وفلسطينية أن أكثر من 95% من ملفات التحقيق في الجرائم التي ارتكبوها قد أغلقتها الشرطة الإسرائيلية، بحجة عدم وجود أدلة لإدانتهم ومحاكمتهم، ما أدى إلى زيادة جرائم هؤلاء الإرهابيين، وخصوصاً أن الأجهزة الأمنية للجيش الإسرائيلي توفر الأمن والرعاية لهم، وجميع المستوطنات التي يسكنونها تمت إقامتها بناء على قرارات من الحكومة الإسرائيلية، والتي أصبحت أوكارا لهم، للانطلاق لتنفيذ عملياتهم ضد المواطنين الفلسطينيين وممتلكاتهم، وخصوصاً في المناطق القروية المحاذية للمستوطنات اليهودية ومعسكرات جيش الاحتلال، والتي تخضع للمسؤولية الأمنية الإسرائيلية، بما فيها حماية المواطنين الفلسطينيين هناك.
ليست "عائدون إلى الهيكل" المنظمة الوحيدة التي تدعو إلى هدم المسجد الأقصى، فقد سبقتها عدة منظمات وجمعيات يهودية متطرفة، مثل منظمة أمناء جبل الهيكل، ولكن ما يميز هذه الجماعة المتطرّفة أنها على استعدادٍ لتنفيذ أية عمليات، بغض النظر عن نتائجها وتبعاتها السياسية والأمنية، خصوصاً أن أعضاء هذه المنظمة من التيار العقائدي في المجتمع الديني الصهيوني، المؤمن بما يسمى أرض إسرائيل الكبرى، وإقامة الهيكل على أنقاض المسجد الأقصى، وطرد الشعب الفلسطيني إلى خارج فلسطين، حيث يعتبر الحاخام دوف ليئور من مستوطنة كريات أربع في مدينة الخليل من المراجع الدينية لهذه الجماعات، وهو المعروف بإصداره فتاوي دينية عديدة، تدعو إلى قتل الفلسطينيين، وطردهم، والاستيلاء على ممتلكاتهم، وتقطيع أشجار الزيتون.
ما يعزّز توجهات هذه الجماعة الإرهابية ومخططاتها ويدعمها هو التغير الواضح في الموقف من دخول اليهود المسجد الاقصى، والتي صدرت بعد حرب يونيو/ حزيران 1967، والتي حظرت على اليهود الدخول إلى المسجد الأقصى لأسبابٍ دينية، وسياسية، كما أن بعض قيادات التيار الديني اليهودي الحريدي، والذي أفتى في الماضي بتحريم الدخول للمسجد الأقصى، قد
شوهدوا، في السنوات الأخيرة، في مقدمة اليهود الذين يقتحمون المسجد الأقصى، بدعم وغطاء من الحكومة الإسرائيلية، وأجهزتها الأمنية والشرطية، ما يعتبر تحولاً عميقاً في مواقفهم من دخول المسجد الأقصى، وتعاظماً في قوة التيار الديني القومي، المؤمن بضرورة هدم المسجد، لإعادة بناء ما يسمى الهيكل المزعوم. وكان رئيس منظمة "عائدون إلى الهيكل" الإرهابية، رفائيل موريس، قد أعلن، قبل شهور، أن دخول اليهود اليومي للمسجد الأقصى لم يعد كافياً، وليس حلاً نهائياً، بل هو مرحلة أولى لهدم الأقصى، وبناء الهيكل المزعوم، ولا مكان حتى لبناء الهيكل بجوار المسجد الأقصى، لا بل إن مكانه يجب أن يكون على أنقاض الأقصى نفسه، وما على الفلسطينيين والعرب إلا القبول بذلك، وإن على الفلسطيني الذي سيعارض ذلك أن يعرف أن مصيره التهجير والطرد، كما حدث لهم في العام 1948. ويذكر أن رئيس الكنيست الإسرائيلي سابقاً، ورئيس الوكالة اليهودية سابقاً، أبراهام بورغ، والذي اعتزل الحياة السياسية قبل سنوات، كان قد حذر، قبل عامين من حدوث سيناريو كهذا، عندما قال إنه أصبح مقتنعا أن هدم المسجد الأقصى أصبح مسألة وقت فقط.
واضح أن الفلسطينيين غير قادرين، في الوقت الحالي، على مواجهة هذه المخططات اليهودية الخطيرة ومنعها، والتي تمس بمستقبل الشعب الفلسطيني برمته، وليس فقط بمقدساته وأرضه. لذلك، أصبحت صياغة استراتيجية وطنية فلسطينية جامعة تشكل فريضةً على الكل الفلسطيني، بعد أن وصل المشروع التحرّري الوطني إلى فشل كبير، وإنه لم يعد بالإمكان الاستمرار في الرهان على خياراتٍ ثبت فشلها، وإنه لا مكان أيضاً لبقاء هذه المعارك الفلسطينية الداخلية، والتي تشكل فرصةً ذهبيةً للاحتلال لاستغلالها، وتنفيذ مشاريعه التهويدية الإحلالية.
الآن، وبعد أن أعلن جهاز المخابرات الإسرائيلي (الشاباك)، وقيادات إسرائيلية أخرى، أن المسجد الأقصى في خطر حقيقي، لعل الفصائل الفلسطينية تشعر بذلك الخطر، وتتوقف عن حالة التيه التي تعيشها، والتي أفقدتها البوصلة، وتغلق هذه الصفحة السيئة المخزية، وتفتح صفحة جديدة باستراتيجيات ورؤى وطنية جامعة، وبأدوات مختلفة.