هل انتهى اليسار في المغرب؟

هل انتهى اليسار في المغرب؟

25 أكتوبر 2016
+ الخط -
كان لليسار في العالم العربي دور في انتفاضات الربيع، الشيء نفسه يتعلّق بالمغرب، فقد قادت منظمات يسارية ماركسية النضال الجماهيري في صفوف الشعب سنوات طوالاً، وكانت وراء عدّة انتفاضات. لكن، بعد انهيار المعسكر الشرقي بقيادة الاتحاد السوفياتي الذي كان يمثل الأم الحنون للماركسية، واستسلام بلاد ماوتسي تونغ لليبيرالية، بدأت انعكاسات هذا تتجلى في التنظيمات والأحزاب في الدول العربية، وذهب معظمها إلى مصالحة الأنظمة المحلية، مثل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في المغرب، ما يطرح اليوم سؤالاً: أين هذه التنظيمات الآن؟ هل التهمتها الآلة المخزنية؟ أم أنها لحظات خفوت يليها انفجار بركان يشعلها ناراً في الجبال، على إيقاع شعارهم المعروف؟ أم شيء آخر غير هذا وذاك؟
فطرة الله التي فطر المخلوق البشري عليها، المنحازة للمظلومين، المحترمة والمحبة لناصري المستضعفين، تجعلنا نسأل هذه الأسئلة، ونكتب هذه الكلمات، على الرغم من الاختلاف والتعارض الكبير في الأفكار، فلا بد من السؤال عن شركاء الوطن للبحث عن أسباب تراجعهم.
برز هذا الموضوع، أخيراً، بعد أن تراجع اليسار الحزبي في المغرب بشكل كبير جداً، فاكتفى الاتحاد الاشتراكي العريق بـ 19مقعداً، و"التقدم والاشتراكية" بـ 10 مقاعد، في حين نالت فيديرالية اليسار الديمقراطي المكوّنة من ثلاث أحزاب مقعدين، أي ما مجموعه 31 مقعد لكلّ الأحزاب اليسارية، ما يعني أنّها في المركز الخامس مجتمعة، وهذا خطير، وقد يكون سابقة في تاريخ اليسار الحزبي المغربي.
لكي لا أكون مجحفاً في حق اليسار، ولا أظلم أحداً، لا بد لي من التفصيل في أطيافه، إذ بإمكاننا تقسيمه إلى صنفين؛ اليسار الحزبي المنظم، واليسار الفردي الراديكالي.
سبب وصفي اليسار الحزبي بالمنظم، يعني باختصار أنّه يعتبر تنظيماً مؤسساتياً، عكس اليسار الآخر، الراديكالي، الذي تمثله بعض المكوّنات داخل الساحة الجامعية والتي لا ترقى إلى أن توصف بالتنظيم، أو تمثله أفراد أنهت المرحلة الجامعية، وتوّجهت نحو الأوساط الشعبية، من دون أن تخلق أي تأثير.
اليسار الحزبي تمثله بالخصوص، كل من أحزاب، الاتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية، والتقدم والاشتراكية، إضافة إلى حزب المؤتمر الوطني الاتحادي، والاشتراكي الموحد، والطليعة الديمقراطي الاشتراكي، والأحزاب الثلاثة الأخيرة هي التي تشكل فيديرالية اليسار الديمقراطي، وهناك أحزاب صغيرة جداً، مثل حزبي اليسار الأخضر والعمل.
هذه الأحزاب إصلاحية خاضعة للوضع الراهن، ومتوافقة مع النظام القائم، تشارك في اللعبة السياسية، على الرغم من كل عيوبها، وعلى الرغم من صوريتها أساساً، وهي بعيدة كل البعد عن الجماهير الشعبية، وهناك حزب النهج الديمقراطي الذي تنسجم مواقفه نسبيا مع الواقع المعاش في المغرب، وهو من التنظيمات القليلة، المعارضة للنظام، باعتباره مستبداً، يكرّس مؤسسات الدولة لخدمته، وإضفاء شرعية عليه، ويمكن اعتباره الحزب اليساري الممانع الوحيد في المغرب.
هناك مكوّنات يسارية تنشط داخل الجامعات المغربية، ذات فكر ماركسي راديكالي، لكن عيبها أنّها مشتتة، شأن الأحزاب، بالإضافة إلى تشبث بعضها بمدأ العنف وسيلة إقناع، ما ينفر الطلبة منهم، كما أنّ كونها مجرد مكوّنات متفرقة، لا يربطها أي تنسيق وطني، يزيد من تأزمها، ويسدّ من أفقها، كلّ طرف لا تربطه أيّ علاقة تنظيمية بالأطراف الأخرى، وربما قد لا تربطه أيّ علاقة فكرية ما عدا الاسم.
وغالباً ما تكون هذه المكوّنات حاضنة أولية، لمتحزبين مستقبليين، يتفرقون بين الأحزاب، خصوصاً اليسارية منها، سواء الإصلاحية أو التغييرية (النهج الديمقراطي)، وفي حالة تشبثهم بقناعاتهم الراديكالية، فإنّهم سيبقون أفراداً لا يؤثرون على النضالات الشعبية.
يرجع بعضهم سبب أفول اليسار عامة إلى تحوّله من تنظيم شعبي إلى نخبوي، حيث بات خطابه بعيداً، كل البعد، عن هموم المستضعفين، وصار فكر اليسار مجرّد كلماتٍ، يحفظها بعض الساسة، ويردّدونها من حين إلى آخر، أو يدافعون عنها في قبّة البرلمان، أو في مؤسسات أخرى، بعيداً عن الممارسة، في صفوف الطبقة البروليتارية التي هي منبت الفكر الماركسي.
كما أنّ الآلة المخزنية التي خاضت معارك تاريخية خارجية وداخلية، على مدى يزيد عن أربع قرون، عرفت من أين تؤكل الكتف، وراودت الأحزاب اليسارية عن نفسها، وحاولت التخلص من كل الأصوات الحرّة، اغتالت بعضهم (المهدي بن بركة) وسجنت آخرين (محمد بن سعيد آيت يدر)، ونفت عدداً منهم (أبراهام سرفاتي)، ونجحت في احتواء الحزب الشيوعي (التقدّم والاشتراكية حالياً)، وبعده الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية صاحب التاريخ العريق، وكانت من أبرز أساليبه الاحتوائية، إدخال الحزب في اللعبة السياسية المتحكّم فيها، أو الدفع في اتجاه صنع تيارات وسط حزب أو مكوّن، وبعدها إحداث انشقاقات تفتته وتجعله لقمة سائغة.
B0CB5C84-828A-46C8-BC25-5C024AFBC08E
B0CB5C84-828A-46C8-BC25-5C024AFBC08E
شفيق عنوري (المغرب)
شفيق عنوري (المغرب)