أوقفوا الإعدامات.. إعدام وطن

أوقفوا الإعدامات.. إعدام وطن

14 أكتوبر 2016
+ الخط -
يبدو أن نظام الثالث من يوليو في مصر، بعد انقلابه الفاجر، يمارس أقصى درجات الاستخفاف بحياة الإنسان، من دون أدنى مساءلةٍ، أو حساب أو عقاب. يقوم هذا النظام الآن بالقتل تحت التعذيب، وبالقتل البطيء فيما يسمى الإهمال الطبي، والقتل بعد الاختطاف القسري، والقتل بعد الاعتقال بسويعات في إطار التصفية الجسدية. يقوم بذلك كله خارج إطار القانون، لا يردعه رادع، ولا يأبه لانتقاداتٍ، ولا يلقي بالاً لبيانات وتقارير تصدر من منظمات حقوقية دولية من المنظمات غير الحكومية. وفي كل مرةٍ، تفضحه تلك المنظمات في تقاريرها يمتشق بعض الرسميين حسام الكلام، فيتهم هذه المنظمات بالتحيز، ويؤكّد أنه لا قيمة لتقاريرها.
ومن المؤسف حقاً، حينما يقوم المنقلب بزيارات خارج البلاد، وتحاصره وكالات الأنباء، وكذلك الفضائيات الدولية والأجنبية، فتسأله مباشرةً عن انتهاكات حقوق الإنسان، على الرغم مما هو موجود من معلوماتٍ دامغة وحقائق واضحة، إلا أنه يملك، في كل مرة، إجابةً تتسم بالبجاحة، يتحدّث فيها عن أن مصر من أهم الدول التي تحترم حقوق الإنسان، فإذا كان السؤال كيف هذا ويحدث كذا وكذا؟ وكيف تتحدّث بعد ذلك عن احترام مصر حقوق الإنسان؟ يراوغ، فينتقل إلى الحديث عن الإرهاب، وحرب الإرهاب التي تقوم عليها مصر المستهدفة به، وأنه يقوم بكل ما من شأنه ليس فقط حماية مصر، بل حماية الغرب، والحفاظ على مصالحه. هكذا تكون المداورة وتكون البجاحة، على الرغم من الانتهاكات الفاضحة والصارخة لحقوق الإنسان من نظامٍ عسكريٍّ فاشيٍّ ومنظومة بوليسية تمارس البلطجة على المواطنين بكل الأشكال، وتخرج من البيانات ما يستخفّ بعقول الناس، وما يدينها أكثر مما يبرئها.
وتبدو أشكال الإعدام التي يمارسها هذا النظام الفاشي الانقلابي تتخذ أشكالاً كثيرة، تدور كلها حول استهداف الإنسان والاستخفاف بالأرواح، فهؤلاء يموتون في قارب الموت، حينما يلقون بأنفسهم في عرض البحر، فلا يتحمل قاربهم الأمواج، ويغرق هؤلاء وهم يطاردونهم، ويكون قاع البحر قبراً كبيراً لهم، وهؤلاء يعدمون من خلال تحويلهم إلى معدمين في إطار عملية إفقار ممنهجة، تهدف إلى تجويع شعب مصر، وتركه فريسةً للغلاء، فيصير الفقراء كالأموات سواء بسواء. وتتواتر هذه الحوادث في كل مكان، ويقتل العشرات جراء إهمال الخدمات وإهمال الطرق، حتى يموت سنوياً ما يعدّون بالآلاف.
وقبل هذا وذاك، تأتي مجموعة المجازر التي يرتكبها هذا النظام العسكري الفاشي، مجازر عدة تمتد من مجزرة ماسبيرو ومجازر محمد محمود ومجلس الوزراء، وها هي مجزرتهم الكبرى في ميداني رابعة والنهضة، وهذه مجازر أعقبتهما لتشكل حلقة في فاشية هذا النظام العسكري، وهذه حادثة عربة الترحيلات، حينما قتلوا هؤلاء بالخنق واستخفافاً بالنفوس. إنهم يمارسون ذلك كله خارج إطار القانون بكل استخفاف، وممارسة عملية تفزيع كبرى، حتى أطلق بعضهم على هذا إعدام وطن. نعم إنهم يعدمون الوطن يستخفون بالنفوس، ويقتلونها من كل طريق، ومن أقرب طريق، يفعلون ذلك كله من غير حساب أو عقاب.
بل إن هؤلاء الذين يمثلون بلطجية جهاز الأمن الذين أصبحوا يطلقون الرصاص لأتفه الأسباب، ويقتلون المواطنين بلا حساب، يفعلون ذلك كله وقد أمِنوا العقاب، أمّنهم كبيرهم حينما قرّر أن يضرب هؤلاء في المليان، في الصدور وفي الرؤوس، من غير أدنى وازع، ثم يطمئنهم عن أمنهم وأمانهم، وأنه لا يجرؤ أحدٌ على حسابهم. هكذا أمِن العقوبة من أسرف في القتل، بسببٍ أو بدون سبب.
أخطر هذه الإعدامات التي تمارس على أرض الوطن أن تصدر أجهزةٌ تناط بها إقامة العدل
من قضاة أحكاماً للإعدام كشربة الماء، يستسهلون النيْل من حقوقٍ تأسيسيةٍ، تتعلق بحق الحياة لعموم الناس، إلا أنهم لا يجدون حرجا في إصدار فائض أحكام بفائض إعدامات، تشارك في الإعدامات تحريّات الأمن الوطني بفبركة التهم، وتوريط هؤلاء وتلبيسهم في فبركة أحرازٍ من أسلحة وما شابه، ثم بعد ذلك تقوم النيابات بتواطؤها بإقرار تلك الفبركات.
ومؤسفٌ أن يصدر القضاة، بعد ذلك، على أساس من هذه الترّهات أحكام الإعدامات، هكذا بالتلفيقات والشبهات والتحريّات الزائفة الكاذبة. ومع ذلك، يستسهل القاضي، وربما يتعمد مستخفاً بحياة الناس، فيحول هؤلاء بأوراقهم إلى المفتي إيذاناً للتصديق على أحكام الإعدام، ويقوم المفتي بأحقر دور، حينما يصدّق ويكتب تقريره، لا يفترق بأي حال عن أي تقرير أمنجي، يقوم على التلفيق والتزوير والتواطؤ مع كل هؤلاء، لإعدام نفسٍ بريئة، مستخفا بكل المبادئ والقيم الأخلاقية وحرمة النفس الإنسانية، وفداحة ما يرتكبه هؤلاء في حق أرواح بشرية.
وصلت أحكام الإعدام إلى أكثر من سبعمائة حكم في مزادٍ شديد الخطورة، يؤدي إلى استخفافٍ بحقوق الإنسان التأسيسية، واستخفافٍ بكل ما يتعلق بالحرمات التي تتعلق بالنفس الإنسانية، لكنهم لا يلقون لذلك بالاً، ومن خطورة الإعدامات، خصوصاً حينما تستند إلى تلفيقات، وخصوصاً أن تنفيذ أحكام الإعدام لا تُستدرك. هكذا عرفنا ذلك في قضية عرب شركس، ليتأكد القاصي والداني أن هؤلاء يُعدمون بالشبهة.
ومن المؤسف حقاً أن يقوم قضاء عسكري، ومحاكمات عسكرية ظالمة، تصدر فيها الأحكام بالأمر العسكري، لا بالتحقيق العادل أو القضاء النزيه. يمارس هؤلاء إرعاباً للمجتمع وتفزيعاً، ويعد أهم أشكال سطوة العسكر وتغوّلهم على الحياة المدنية، في إطار تحويل قضايا ليست يسيرةً لمحاكماتٍ عسكرية. وفي مسلسل الاستخفاف، تصدر أحكام الإعدامات من هنا وهناك، لا أحد يحاسب، وليس هناك من يراجع، حكام بأمرهم يستندون إلى الشبهات، ويسيرون في ركاب نظام فاشي، صار يقتل بعضاً من شعبه بلا رحمة وبلا عدل، يديرون حالةً من الظلم الفادح، من خلال أحكام قاسية، ويصدرون إعداماتٍ بلا أي سند أو دليل.
لا يتورّع كل هؤلاء، واستناداً إلى قوانين وتشريعات باطلة، وتحريّات زائفة، وتهم مصطنعة، وشهود مزورين. يصنع هؤلاء حالة الظلم، ويُحكمون حلقاتها، حتى لو ارتكبوا إعدام بريء، وحتى لو ارتكبوا خطايا فادحة في حق النفس التي كرّمها الله. هذا الإجحاف التشريعي والتزويرات الأمنية وتواطؤ النيابات وإصدار الأحكام الجائرة من قضاة ظلمة استمرأوا ذلك، واستخفوا بنفوس البشر، ومفتٍ تغافل عن حرمة النفوس، وأسهم بسهم وافر في إعداماتٍ ظالمة، إلى كل هؤلاء نقول: أوقفوا الإعدامات، أوقفوا إعدام الوطن قبل أن يفوت الأوان، فتزهق أرواح الإنسان على غير عدلٍ، أو استناد لحجة وبرهان، ألا شاهت الوجوه، ألا عظمت خطاياكم، إلى كل هؤلاء الذين تجرّدوا من كل معاني الإنسانية، وأزهقوا أرواح النفس. المكرم سيكون القصاص العادل، إن آناً أو استقبالاً.. أوقفوا الإعدامات.
ECE602C0-DB35-414B-9572-17B675CE3C2A
سيف الدين عبد الفتاح

كاتب وباحث مصري، مواليد 1954، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، من مؤلفاته "في النظرية السياسية من منظور إسلامي"، و" التجديد السياسي والواقع العربي المعاصر.. رؤية إسلامية".