حسني مبارك... شرّفت دارك

حسني مبارك... شرّفت دارك

13 أكتوبر 2016
+ الخط -
هل نقول مع شوقي: ألا أن كل شيء فيك، يا مصر، ينسى بعد حين؟ أم نقول أي شيء آخر أكثر بلاغة من قول أمير الشعراء؟ وهل الأمر يحتاج إلى شعر وبلاغة وكناية، أم إلى ضحك؟ وهل تصنع الضحكات والنكات في بلد يليقٍ بهما أكثر من مصر؟ إذن، لم تكن سهير البابلي من سنتين تهزر أو تمزح لا قدّر الله، ولا كانت تمارس الخروج على النص في مسرحيةٍ لها، بل كانت توصل رسالةً محدَدةً ستكشف لنا الأيام المقبلة عن فحواها، حينما قالت بالفم المليان: هاتوا لي حتى شراب مبارك المعفن وأنا أعتذر له... مرّت سنتان على مقولتها. والآن، لم يصبح شراب مبارك معفناً، بل طاهر مطهر، وقد يكون مبروكاً أيضاً، وتشدّ له الرحال، ولم يعد المصحف الشريف بيمين علاء أو جمال يوصل رسالةً حداثيةً للجماهير عبر القضبان، من خلال المحاكمات التي انتهت بالمقولة الشهيرة للقاضي: عودوا إلى مقاعدكم.. بل باتت الكاميرا بيد جمال غالية الثمن، وعالية الجودة أيضا، ويتجوّل بها في سفح الهرم، ويركب الجمال والحناطير أيضا، ويزور دار الأوبرا المصرية مع ماما سوزان في حراسةٍ أمنيةٍ لطيفةٍ فوق الحشيش الأخضر والأضواء، كما راعت الكاميرا، والجماهير الإسماعيلية، عن بكرة أمها وأبيها، تطالب علاء برئاسة النادي، فكما البلد كله في ضائقةٍ مالية، فالنادي الإسماعيلي أيضا يمر بالضائقة، وسبحان حلال العقد وكاشف كرب الأندية، وكما يقول المثل الشعبي مع التغيير بتصرّف (من زيت المحروسة مصر وادهن قرن النادي). ودخلت اليوم باسم الله ما شاء الله – في نصر أكتوبر – صور (أبو علاء) – قص جحش – إلى قلب ميدان التحرير، ولم يعد الأمر في حاجةٍ لأمير الشعراء، بل ما أحوجنا، بالفعل، إلى بساطة فايزة أحمد، حينما تغني قائلة لأمها: (يا أمّا اعملي معروف معدش فيها كسوف)، وتوالت الضحكات في الفضائيات، مخرجةً لسانها لثورة يناير عياناً بياناً، وإليك الأمثلة:
هذا مصطفى بكري نيابةً عن كل ناصري يقول: لا أنكر دور مبارك في حرب أكتوبر. .. ثم توالت البركات في يوم النصر، فاذا بطيّارٍ على الهواء مباشرة يسقي المذيع خالد صلاح، صاحب مقولتي (كده وكده يعني) و (حاجة صفرا)، ويؤدي التحية لمبارك، وتوالت البركات كلها في يوم واحد، حتي وصلت إلى مذيع العاشرة صباحاً في التلفزيون المصري، والغريبة أن أحمد موسى لم يقم بالواجب في هذا اليوم المبروك. واضحٌ أن مبارك غيّر أرقام هواتفه.
فما كان أحوجنا، في مثل هذا اليوم، إلى الممثل حسن يوسف، بعدما زفّ إلى الجماهير العربية خبر عودة حرمه المصون إلى التمثيل ثانية، بعدما صامت عنه ربع قرن، في أن يكون بجوار مبارك ويطبطب على كتفه. ولا مانع من أن يحمل معه بوكيه ورد. ولا مانع أيضا من وجود الممثل طلعت زكريا هو الآخر، باعتبار أنه "طبّاخ الريس"، ولا بد له أن يذوق "الطبخة" مع الناس، ولا مانع أيضا من وجود الممثلة غادة عبد الرازق مع الوفد، وهي صاحبة مقولة "بابا مبارك"، أما باقي الأحبة، فمن الصعب استقبالهم كلهم في زنزانة ضيقة (متر في متر). وخصوصاً أن مبارك وراء قضبانٍ موحشة، ولا يرى طبيباً، وليس له من أنيسٍ سوى محبرته ودواة الحبر وريشة من جناح يمامة، لكتابة مذكّراته ومعاناته في إعادة بناء الدولة المصرية من قطار الصعيد أمام "أبو النمرس"، حتى عبّارة البحر الأحمر، مرورا بهدايا الأهرام وقلاع الصناعة في شبرا النملة وقلاع التسليح في حلوان وطره، علاوة على مليونين من أطفال الشوارع من عينة "التوربيني" وغيره ممن رفعوا أعلام مصر خفاقةً في الغرب والشرق، وأنجبوا لشوارع مصر أجيالاً بارّة بوزارة داخليتهم وجيشهم، وقد كنا نراهم جهاراً، حتى الصباح يقذفون فندق سميراميس بالطوب والزلط والمولوتوف، فلم لا تكون كهارب مصر كلها مشتعلةً (ما يوازي ألف لمبة، والله العظيم، من النوع غير الموفر)، مدلاة كلها في عناقيد كالعنب، على باب المجمع الطبي في المعادي، وتحنو الكهارب بحكمة الله على غرفة مبارك.
فهل يخجل مبارك أمام كل هذا المهرجان والكهارب الباذخة من أن ينزل من على سريره، ويلوّح للجماهير في دقيقة واحدة حتى، ثم يعود ثانيةً وراء القضبان لأفكاره وهمومه، لكي يكمل لنا بقية مذكراته ومعاناته في ظلمة السجن الذي ندرت فيه الشموع.