عن الشرعية

عن الشرعية

07 يناير 2016
+ الخط -
الشرعية، الشرعية، الشرعية، إنها المفردة السحرية التي يرددها الجميع عند الأزمة، أو الصراع، وهى المفردة، أو الذريعة التي يردّدها جميع الأطراف في مواجهة الأطراف المنافسة أو المعادية، إنها الحجة التي يردّدها طرفا الصراع في ليبيا، وهي حجة التدخل السعودي الخليجي في اليمن، وكذلك حجة التدخل الإيراني، وهي ذريعة التدخل الروسي الإيراني في سورية، مواجهة للتدخل السعودي الإماراتي التركي الأميركي الأوروبي المشترك.
الشرعية، الشرعية، الشرعية، إنها المفردة التي رددها محمد مرسي في خطابه الأخير قبل 30 يونيو 2013، والتي لا يزال مؤيدوه يرددونها، على الرغم من كل ما حدث و كل ما يحدث، وهي أيضاً الهاجس نفسه الذي يدفع النظام العسكري الحاكم حالياً في مصر إلى الإسراع بالإجراءات الشكلية لاستكمال المؤسسات الديكورية، بحجة استكمال خريطة الطريق واستكمال الشرعية، وهي السبب نفسه الذي يدفع النظام العسكري إلى شراء الشرعية الدولية والاعتراف الدولي، عن طريق إنفاق ملايين الدولارات على شركات العلاقات العامة الأميركية، بغرض تحسين صورة النظام، أو إنفاق ملايين أخرى في صفقات سلاح أوروبية، من أجل تطبيع العلاقات وتقليل الضغوط الناتجة بسبب انتهاكات حقوق الإنسان.
ولكن، بشكل عام، يعتبر مفهوم الشرعية غامضاً، ومرناً، وتستغله جميع الأطراف ذريعة لمنهجها، وقد تحدث صامويل هنتنغتون عن الشرعية وتدهورها في أحد فصول كتابه عن موجات الديمقراطية، فقديماً كانت الشرعية مستمدة من الحق الإلهي، فكان يتم تبرير استبداد الملوك والحكام بأنها إرادة الله، وأنه لابد من الصبر على الظلم أو الاستبداد، من أجل الهدف الأكبر و هو نصرة الدين. وحديثاً أصبحت الأيدولوجيا، أو النزعات القومية، أو محاربة الإرهاب، الذريعة الجديدة، وهي مبرر الشرعية، فإذا لم يكن هناك عدو لابد من اختراع عدو من أجل اختلاق شرعية للبقاء في السلطة.
وكلما اهتزت شرعية النظام الحاكم، يزداد الاعتماد على الفزّاعات، والذرائع للتبرير. ومع الوقت، تتأثر الشرعية مهما كانت الذرائع، ولذلك تلجأ الأنظمة السلطوية إلى مزيد من القمع
والاستبداد، وكثيراً ما تلجأ الأنظمة السلطوية إلى ذرائع المؤامرات الدولية لتبرير الفشل، أو ضرورة البقاء في السلطة من أجل حماية الدولة، أو من أجل استكمال الإنجازات التي لم تتحقق كل تلك السنوات. والمأزق الأشهر الذي تتعرض له الأنظمة السلطوية هو "مأزق الأداء"، فبعد عشرات الوعود الزائفة، والخطابات العاطفية، والمشروعات الوهمية، أوالفاشلة، تقل الشعبية وتبدأ الشرعية المهترئة في التمزق، فالجماهير قد تتحمل غياب الحرية والديمقراطية في سبيل تحقيق التنمية الاقتصادية والرخاء. ولكن، كلما مر الوقت من دون تحقيق الوعود، تبدأ الاحتجاجات في الزيادة، وتبدأ الشرعية فى الانهيار، وفي حالاتٍ كثيرة، تلجأ الأنظمة إلى مزيد من القمع، ما يؤدي إلى تأثير عكسي، ويعجل في الانهيار.
وفي حالات أخرى، أو بالتوازي مع القمع أو صناعة الفزّاعات، قد تلجأ الأنظمة السلطوية إلى الإجراءات الشكلية، بهدف امتصاص الغضب، أو الوعد بأن الديمقراطية سيتم تطبيقها في الوقت المناسب، لأن الشعب غير مؤهل للديمقراطية. ولكن، في الحالات التي تم حل الأزمات فيها بشكل سلمي، كان هناك عقلاء ومعتدلون، سواء في النظام الحاكم، أو المعارضة، وهو ما أدى إلى الوصول إلى "اتفاق" يضمن اقتسام السلطة، أو المشاركة، أو الخروج الآمن، أو البدء في إجراءات عملية لتحقيق ديمقراطية حقيقية بمشاركة الجميع.
ومن دراسة تجارب التحول الديمقراطي، في الثلاثين عاماً الأخيرة، يتضح أن التجارب الأكثر نجاحاً هي التي كان فيها تفاوض وتسليم سلمي للسلطة، وعدالة انتقالية. ويعتبر محللون سياسيون أن الثورات العربية الأخيرة هي الموجة العالمية الخامسة للديمقراطية، فقد كانت الموجة الأولى للتحول الديمقراطي بعد الحرب العالمية الأولى، ثم كانت الثانية بعد الحرب العالمية الثانية، بينما تزامنت الثالثة مع انهيار الاتحاد السوفيتي، والثورات ضد الأنظمة الشيوعية، أوالشمولية، في أواخر الثمانينيات بعد انهيار سور برلين، ثم تلتها الموجة الرابعة في باقي دول أوروبا الشرقية مع بدايات القرن الحالي. ولكن، بشكل عام، هناك تجارب نجحت في تحقيق الديمقراطية والتقدم في معظم هذه الدول، وهناك أيضاً أكثر من دولة في أوروبا الشرقية لا تزال تعاني من نتائج ثوراتها، أما ثورات الربيع العربي، التي اعتبرها بعضهم الموجة الخامسة، فقد تم إفشالها بشكل متعمد، وتحول الحلم الجميل إلى كوارث، سيعاني العالم كله من آثارها عقوداً مقبلة، بسبب مقاومة الأنظمة الحاكمة للإصلاح والتغيير، وكذلك بسبب انتهازية قوى الإسلام السياسي، واستغلالهم الفراغ وبلعهم الطعم والشرك الذي تم صنعه بعناية. وإن كانت حالة تونس أفضل نسبياً من حالة مصر التي عاد بها الحال إلى ما قبل 25 يناير، وربما أسوأ، وإن كانت حالتا تونس ومصر أفضل من حالات سورية، وليبيا، واليمن، الذين كانت تحكمهم أنظمة هشة تتخفى بالقمع، ودول تعاني من الطائفية، والقبلية، والمشكلات الإثنية منذ نشأتها.
وعودة إلى الحديث عن الشرعية، يمكن اعتبار شرعية النظام الحالي" شرعية الأمر الواقع، وشرعية السلاح"، وهي شرعية ليست راسخة مهما كان القمع والقوة. ولذلك، يجب دائماً التذكير بتجارب الآخرين، وما تجربة الجزائر بعيدة، فالعناد لا يؤدي إلا إلى مزيد من العناد، والتعقيد، والعنف لا يولد إلا المزيد من العنف، والثأر. ولذلك، يجب تشجيع المعتدلين والعقلاء، في السلطة والمعارضة، قبل فوات الأوان، فأصوات التطرف والإقصاء في الطرفين هي التي تزيد المشكلة تعقيداً وألماً، أما الحوار، والعدالة الانتقالية، والتنازل، من جميع الأطراف، من أجل الوصول إلى حل وسط يوقف الأزمة، فقد ثبت تاريخياً أنه الحل الأمثل، والأكثر تحضراً. ولكن، هل هناك عاقل ينتبه، قبل فوات الأوان؟ هل ينتصر الجناح العقلاني في الطرفين، أم يقودنا المتطرفون هنا وهناك نحو الهاوية؟

DE3D25DC-9096-4B3C-AF8F-5CD7088E3856
أحمد ماهر

ناشط سياسي مصري، مؤسس حركة 6 إبريل، حكم عليه بالحبس ثلاث سنوات، بتهمة التظاهر بدون ترخيص، وأفرج عنه في يناير 2017