انقلاب 1979

انقلاب 1979

20 يناير 2016

محمد عمارة.. من ماركسي إلى قومي عربي إلى إسلامي

+ الخط -
بنظرةٍ استرجاعيةٍ بسيطة، يمكننا اكتشاف أن عام 1979 كان حاسماً في التحولات الفكرية والسياسية والجيوستراتيجية التي عصفت بالمشرق العربي. ففي ذلك العام، خرجت مصر من الصراع العربي- الصهيوني، وانفرط عقد الميثاق القومي بين العراق وسورية الذي كان من شأنه أن يعوِّض، ولو جزئياً، إدارة مصر ظهرها للعرب. وفي ذلك العام، اجتاحت القوات السوفياتية أفغانستان، الأمر الذي أشعل جمرة "الجهاد الأفغاني". وفي ذلك العام أيضاً، انتصرت الثورة الإيرانية، وراحت مجموعات مهمة من اليساريين العرب تتحول إلى الإسلام، وبالتحديد بعض المجموعات الماوية من عشاق "خط الجماهير". وكان هذا التحول رخيصاً جداً، إذ لم يكلف المتحولين إلا الاستغناء عن كلمة "بروليتاريا"، وإحلال كلمة "المستضعفين" في محلها، واستخدام "الأمة" بدلاً من "الشعب"، وصار "خط الجماهير" هو نفسه "خط الإمام"، وعبارة "الفقراء" باتت "جمهور المؤمنين"، واستعيض عن الإمبريالية بعبارة "الشيطان الأكبر". والمعروف أن معظم تلك التحولات التي ظهرت في تلك الحقبة كانت ارتداداً عن الماركسية إلى الإسلام على غرار الكاتب المصري، عادل حسين، سليل الحزب الاشتراكي ووارث حزب مصر الفتاة الفاشي، والذي انتقل في إحدى المراحل إلى "حدتو" (الحركة الديمقراطية للتحرّر الوطني) ثم إلى الماوية، فإلى الإسلام. وعادل حسين الذي أصدر كتابه "الاقتصاد المصري من الاستقلال إلى التبعية" أصدر لاحقاً كتابه "نحو فكر عربي جديد" الذي وصفه بعضهم بأنه "المعاصرة المؤصّلة"، وهو خليط من الإسلام والماوية والناصرية وماركسيات العالم الثالث وفكر الإخوان المسلمين ومقادير من أفكار حسن الترابي الساذجة.
على غرار عادل حسين "فكح" محمد عمارة قائمته اليسرى، بعدما كان عضواً في المنظمات السرية الماركسية، قبل أن يتحول إلى قومي عربي، ينشر كتب الإصلاحيين، أمثال محمد عبده وجمال الدين الأفغاني ورفاعة الطهطاوي، وهو الذي أعاد نشر كتاب "الاسلام وأصول الحكم" لعلي عبد الرزاق في سنة 1972. لكنه في سنة 1994 راح يهاجم الكاتب والكتاب، لاعتقاده أن هذا الكتاب يخدم الاستعمار الغربي، مادام يريد القضاء على الخلافة، ويسعى إلى علمنة المجتمعات الإسلامية. وفي ما بعد، فرح كثيراً باكتشافه المزعوم أن طه حسين هو المؤلف الحقيقي لكتاب "الإسلام وأصول الحكم". وفي سنة 2003، كتب تقريراً لمجمع البحوث الإسلامية في الأزهر ضد كتاب "الخطاب والتأويل" لنصر حامد أبو زيد، واتهمه بالطعن في ثابتين من ثوابت الإسلام هما: التوحيد وحفظ القرآن، الأمر الذي جعل أبو زيد لاجئاً فكرياً في هولندا. ثم لم يلبث أن أصدر في سنة 2006 كتابه "فتنة التكفير بين الشيعة والوهابية والصوفية"، وفيه رمى تهمة الإلحاد على النصارى، واعتبر دماءهم وأموالهم مستباحة. وكثيراً ما ظهر محمد عمارة شخصيةً تهريجية، فقد قاد مع الإخوان المسلمين حملة ضد جاك بيرك، واتهمه بتزوير ترجمة القرآن. والمعروف أن عمارة لا يعرف الفرنسية. ثم لم يتورّع عن إيقاد الفتنة بقوله إن المطلوب اليوم توحيد الأمة على المذهب السني، قبل معركة تحرير القدس، مستثنياً الشيعة من الأمة.
ليست انقلابات أواخر السبعينيات وأوائل التسعينيات غريبة على الثقافة العربية. طه حسين نفسه تراجع، قبل هؤلاء جميعاً، عن كتابه "في الشعر الجاهلي". وعلي عبد الرازق عاد إلى هيئة علماء الأزهر التي كانت طردته. ومنصور فهمي لم يجرؤ على نشر أطروحته "أحوال المرأة في الإسلام" طوال حياته. وفي مقابل هؤلاء وغيرهم، ثمة منارات مضيئة ظلت متشبثة بجمراتها الأصلية، ولم تتحول رماداً على غرار محمد عمارة، أمثال عبد الله العلايلي في كتابه "أين الخطأ؟" وكمال الصليبي في "التوراة جاءت من جزيرة العرب"، وأدونيس في "الثابت والمتحول"، ونصر حامد أبو زيد في "نقد الخطاب الديني"، وغيرهم كثر.