جعجع وعون ونخب الترشيح للرئاسة

جعجع وعون ونخب الترشيح للرئاسة

20 يناير 2016

جعجع وعون في معراب (18يناير/2016/Getty)

+ الخط -
فاجأ مساء يوم الإثنين (18/1/2016) رئيس حزب القوات اللبنانية، سمير جعجع، الوسط السياسي اللبناني، وحتى المهتمين إقليمياً ودولياً، بإعلان تخلّيه عن ترشّحه لرئاسة الجمهورية اللبنانية، وترشيح خصمه السياسي، ومنافسه على مقعد الرئاسة، رئيس تكتل التغيير والإصلاح، الجنرال ميشال عون، للرئاسة. وأحدث القرار "القواتي" هزّة عنيفة في الوسط السياسي اللبناني، وخلط أوراقاً كثيرة لها علاقة بالاستحقاق الرئاسي، ولاحقاً ربما بشكل التحالفات القائمة في البلد، وحلّ كالصاعقة على تيار المستقبل ورئيسه، سعد الحريري، وخصوصاً أن التحالف الذي نشأ قبل حوالي عقد بين "المستقبل" و"القوات" شكّل عموداً فقرياً لما عُرف في لبنان بقوى 14 آذار التي وقفت بوجه حلفاء النظام السوري، وسياساته في لبنان. وقد شهدت معراب، مقر رئيس حزب القوات، ما يشبه احتفاليةً أكثر منه مؤتمراً صحفياً لإعلان ترشيح عون، غاب عنها حلفاؤه في قوى 14 آذار وتيار المستقبل، وختمت بشرب نخب الترشيح في أجواء من السعادة التي كانت بادية بوضوح على وجه عون وأركان قيادة حزبه، وكانت مفقودة بشكل واضح، أيضاً، على وجوه جعجع وأركان حزبه. فما الذي دفع جعجع إلى اتخاذ هذا القرار، بعد حوالي عشرين شهراً على الشغور في سدة الرئاسة، وبعد ترشّحه لهذا الموقع؟ فضلاً عن اختيار خصمه السياسي ومنافسه الانتخابي لهذا المنصب؟
بدأ حديث جعجع عن ترشيح عون مع المبادرة الرئاسية التي أطلقها حليفه، رئيس تيار المستقبل، سعد الحريري، لانتخاب النائب سليمان فرنجية، لرئاسة الجمهورية. وللمفارقة فإن كلاً من عون وفرنجية ينتميان إلى فريق 8 آذار الموالي للنظام السوري، والذي يقوده حزب الله حالياً، والذي يعتبر خصماً سياسياً لفريق 14 آذار منذ عقد تقريباً؛ بل يمكن القول إن الانقسام العمودي الذي دفع لبنان ثمناً كبيراً له، قام على أساس تموضع القوى السياسية اللبنانية بين معسكري 8 و14 آذار. وقد ربط جعجع، ابتداءً، ترشيح عون للرئاسة رسمياً بترشيح الحريري فرنجية رسمياً، ثم اتخذ خطوة الإعلان يوم الاثنين من دون انتظار الحريري، فهل جاء الإعلان ردة فعل استباقية؟
لا شكّ أنّ جزءاً من قرار جعجع يدخل في إطار ردة الفعل على توجّه الحريري لانتخاب
فرنجية، لكنه ليس الوحيد، فجعجع الماروني والمرشح لرئاسة الجمهورية، والذي كان يدرك، منذ اللحظة الأولى لترشّحه، أن حظوظه ضعيفة، فضّل أن يكون هو صانع الرئيس، بدل أن يترك ذلك لحليفه، لأن من شأن ذلك أن يكرّسه زعيماً وطنياً من ناحية، ومسيحياً من ناحية أخرى، خصوصاً أنه سيضيف إلى رصيده النيابي (كتلة القوات 8 نواب) رصيداً من نوع آخر، هو تضحيته بالترشح لصالح وحدة الموقف والساحة المسيحيين، وهو بذلك سيكون وريث الجنرال ميشال عون، في قيادة الساحة المسيحية التي يعتبر الآن شريكاً أساسياً فيها أيضاً. وعلاوة عن هذه وتلك، تمكن جعجع من دق إسفين، ولو بسيطا، بين عون وحزب الله من خلال ورقة "الوصايا العشر" التي قدّمها بين يدي عون، وتعهد بها الأخير. وبذلك شرب الجنرال والحكيم نخب الترشيح، لكن هذا شيء، ونخب الرئاسة شيء آخر.
في الحسابات المتصلة بنخب التوافق على ترشيح عون، أدرك جعجع أن مسألة الفوز ليست سهلة، فالمرشح يحتاج إلى 65 صوتاً في المجلس النيابي (50%+1) حتى يعتبر فائزاً، وهذا ليس أمراً سهلاً في ضوء تموضع القوى السياسية، خصوصاً أن المرشح سليمان فرنجية أكد أنه مستمر في ترشّحه، وأكدت أوساط النائب وليد جنبلاط (كتلة من 11 نائب) أنها معه، وكذلك كتلة الرئيس نبيه بري (14 نائب)، فضلاً عن تكتل سعد الحريري. وهذا يعني أن أيّاً من المرشحين لن يحصل على نسبة 50%+1 وبالتالي، لن يكون رئيساً، وهذا بالطبع ما سيريح جعجع، إذ إنه يكون عند ذلك قد تنازل لخصمه، وضمن، في الوقت نفسه، عدم وصوله إلى سدّة الرئاسة، وهو ما سيترك البلد في حالة فراغ ممتدة، لن تكون إلا في صالح حزب الله الذي يفضل الشغور من أجل جلاء الصورة بشكل كامل في سورية، لما للوضع هناك من انعكاسات على لبنان، ولأنه (أي الحزب) يفضّل الدخول في مؤتمر تأسيسي، أو حوار شامل، يتمخّض عنه نظام سياسي جديد، أو بالحد الأدنى إحداث تعديلات جذرية على النظام السياسي الحالي، المستند إلى وثيقة الوفاق الوطني، أو ما اصطلح على تسميته لبنانياً اتفاق الطائف.
هل ستصدّع خطوة سمير جعجع قوى 8 و14 آذار؟ وتعيد التموضع من جديد للقوى السياسية، وفقاً لحسابات أخرى؟ يبدو أن الخطوة خلطت الأوراق، وأطلقت الشكوك بين الأطراف، وتركت تداعياتٍ عميقة في كلا الفريقين. ولكن، من المبكر الحديث عن تصدّعات عميقة وجذرية في فريقي 8 و14 آذار، فالانقسام السياسي أكبر من هذه القضية، ويأخذ، في بعدٍ منه، الانقسام والخلاف الطائفي والمذهبي. ويتأثر بشكل كبير بأحداث المنطقة في سورية والعراق وباقي المنطقة. ومن هنا، يمكن القول إن قرار ترشيح جعجع عون لن يضع حدّاً أو حلاَ لكل المشكلات اللبنانية، إلا أنه حرّك المياه الراكدة التي سرعان ما يمكن أن تعود إلى ركودها من جديد.