حماس والجهاد الإسلامي.. وإيران وحزب الله

حماس والجهاد الإسلامي.. وإيران وحزب الله

11 يناير 2016
+ الخط -
في حمأة التصعيد الذي تشهده المنطقة العربية والإقليم، يزداد خطاب إيران، وحليفُها حزب الله، وضوحاً، وتضيق الدائرة عن استيعاب مَن كان هذا الحلفُ أقدرَ على استيعابهم سابقاً، مِن حركة حماس الفلسطينية، مثلاً وسابقا، إلى حركة الجهاد الإسلامي، الفلسطينية أيضا، لاحقاً. وفي جديد تطوّرات المواقف الإيرانية ما يُفهم من موقف القياديّ في الجهاد الإسلامي، نافذ عزام، الذي امتنع عن تأكيد أو نفي وقف إيران الدعم المالي، بشكل نهائيّ، عن الحركة، تعقيباً على رسالةٍ ادَّعت مواقع إسرائيلية أن "الجهاد" تلقَّتها، أخيراً من إيران، مضمونُها أنَّ الأخيرة أبلغت الحركة أنَّ العلاقات بين الطرفين تحوَّلت من مرحلة "الحليف المهم" إلى مرحلة الصديق الذي "لا تستطيع إيران باستمرار توفير ما يريد. أما موقف إيران من حركة حماس فهو أكثر وضوحاً، فقد أضحت أبعدَ عن طهران، بالقياس، إلى "الجهاد" بعد الثورة في سورية.
والواضح أن السبب في هذه المواقف الإيرانية، من حركات كانت ضرورية، لإضفاء صفة فوق طائفية على حلفها (المقاوم والممانع) أن حركة حماس، ثم الجهاد الإسلامي، لم تستجيبا، أو تذهبا، مع إيران إلى النقطة التي أوغلت فيها في دعم الأسد ونظامه الذي لم يكن في وسع حماس، ثم الجهاد الإسلامي، أن تتواطؤا معه، ولا سيما أن الحشد الإيراني السوري صارت تتضح فيه أكثر الأبعادُ الطائفية، على مستوى المنطقة والإقليم، من العراق إلى اليمن، مروراً بلبنان.
لكن قدرة إيران لم تعد، كما السابق، على لصق هؤلاء الحلفاء بها، على أرضيَّة المواقف السياسية المتباعدة، والمتجهة إلى مزيد من التمحور الذاتي، أو الانعزال، إلا عن حلفائها اللصيقين، في العراق ولبنان. وفي هذا السياق، نستذكر تصريحات جديدة لنائب القائد العام لقوَّات حرس الثورة الإسلامية، العميد حسين سلامي، لم يتردَّد فيها بالحديث عن امتداد نفوذ "الثورة الإسلامية" إلى خارج الحدود، وقال إن النفوذ السياسي والعقائدي والثقافي للشعب الإيراني امتدَّ إلى شرق البحر الأبيض المتوسط وشمال إفريقيا. قال ذلك في سياق اعتداده بحلفاء إيران في العراق وسورية ولبنان والمنطقة.

كما أن قدرات إيران المالية، أيضاً، صارت تضطرها إلى مراعاة الأولويات. فانخراطها المتواصل في الحرب المفتوحة في سورية يستنزفها مالياً، ولا سيما أن رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران لا يبدو ممهَّد الطريق تماماً، فقد صادقت لجنةُ الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي على مشروع قانون يمنع تخفيف العقوبات عن طهران، ويمنح الكونغرس رقابة أكبر على الاتفاق الذي أبرمته الولايات المتحدة والقوى العالمية مع إيران بشأن برنامجها النووي.
وبسبب هذه المعطيات التي غذّت التمحور الإيراني، اضطر حزبُ الله، هو الآخر، ولعلَّه الحليف الأكثر خطورة، والأكثر إثارة للجدل، إلى التماهي مع هذه الحالة الإيرانية، مع ما يجرُّه ذلك عليه، ليس فقط من خسائر في الأرواح، وما شاكل، وليس فقط بسبب تزعزُع صفة المقاومة التي عُرّف، وعُرِف بها، وحرص، ولا يزال، على أن يتعرّف بها. ولكن، لأسباب أخرى، تتعلق بالخطاب الذي يخاطب به سياقَه الإسلامي والعربي واللبناني، ثم بالطبع العالمي.
لكن، من المؤكد أن ما تستطيعه إيران، أو يناسبها، لا يناسب، بالضرورة، حزب الله، إلا إذا تجرَّد إلا من كونه أداة إيرانية، أولاً وأخيراً. فحزب الله يُفترض أنه محكوم بأبعاد أخرى، إذا أراد أن يستبقي مقوِّماته الذاتية، أو بعض مرتكزاته المستقلة عن إيران، وهذا حتى، على المدى البعيد، أنفعُ لإيران، لكنها اضطرت بسبب ضراوة المنازلة، ومصيريَّة المعركة، أن تستهلك حزب الله كاملا، وأن تضحّي بتلك الأبعاد البعيدة النتائج.
تلك الأبعاد العربية، واللبنانية، والإسلامية، حتى، وحتى صفة المقاومة أضحت (مع هذا الانخراط الكامل، حيث لا يتورّع عن المشاركة في القتل والحصار والتجويع) في أقل تقدير محلَّ جدل وتشكيك. حتى بلغ بالأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، أن قال: "المشكلة في لبنان ليست في ذهاب الحزب للقتال في سورية، بل في تأخُّره في الذهاب إلى هناك".
فعلا، لماذا تأخَّر حزب الله في الذهاب إلى سورية؟ ولماذا حاول، في البداية، أن ينفي انغماسه العسكري، مبرِّراً وبالتدريج، أنه إنما يقاتل على حدود لبنان، ثم دفاعاً عن أضرحة، ثم توسَّع بدعاوى المشروعية: أنه إنما يستنقذ لبنان من المشروع التكفيري، من دون أن يُغفل المزج بين الخطرين، التكفيري، من جهة، والأميركي الصهيوني، من جهة أخرى. ألا ينمّ هذا التأخر، وتلك المحاولات التبريرية عن مخاوف حقيقية من المترتِّبات الناجمة عن الدخول العميق والعلني؟
لا يخفى أن حزب الله يواجه أزمة تتعمَّق، كلما طالت الحرب، لكنه لا يملك، بحكم تحالفه مع إيران، وانبنائه على الولاء العَقديّ والسياسي لها، التملُّص من استحقاقات ذلك. وليست هذه الأزمة خارجية فقط، في مواجهة الشعوب العربية، ولكن في مواجهة جمهوره وحاضنته الاجتماعية التي تتعرَّض لامتحان ليس يسيراً؛ بسبب اضطرارهم إلى تحمُّل أكلاف حربٍ لا تبدو لها نهاية. وفي هذا السياق، جاء تذمُّر مقاتلين كثيرين من حزب الله، من الاستمرار في الحرب في سورية، بل رفضهم القتال هناك، بحسب موقع "ديلي بيست"، ورغبتهم في القتال ضدّ إسرائيل.
لذلك، ولأن الحزب يحتاج إلى هذا الدعم غير المحدود من حاضنته وجمهوره، صار أمينه العام يُكثر من طلّاته الإعلامية، وخطاباته التي تشهد على نحو متسارع تمحوراً يمليه حلفُه مع إيران. ولكي يعمل إزاحةً في الخطاب، أو يمطّ الشرعية السابقة؛ لتغطّي واقعاً جديداً، وأزمة لها سياقُها المختلف، فإنه لَقَط بين الخطر الأميركي والصهيوني من جهة، والخطر الذي تمثله ثورةُ السوريين، علماً أنه ندم على أنه تأخَّر في التدخُّل العسكري، أي يمكن أنه ندم؛ لأنه لم يحارب، من أول يوم، أو من بدايات الثورة، قبل التكفيريين، وقبل جبهة النصرة وداعش!
ذلك الربط بين ما غذّى به حزبُ الله حاضنته وجمهوره، وهو المقاومة التي تندرج ضمن فكرة أكبر، وهي مقاومة الظلم، ونصرة المظلوم (أو هكذا يُفترض) وبين دوره في سورية، ذلك الربط، ضروري؛ لتصمد ما يسمّيها حسن نصر الله بروحية التضحية.
أنهكت إيرانُ حزبَ الله، وطوَّحت به على مدار الصراع، وعلى مساحاته في اليمن والسعودية، فاضطر أن يبدِّل الأحصنة/ الخطاب، في أثناء السباق؛ فكيف تبقى له تلك الروحية، كما هي، بتصويبها تجاه العدو الإسرائيلي، وكيف لصورته أن لا تبهت، وقد ارتضى أن يكون ورقة صراعية في الإقليم؟ وهذا ما حاذرت منه حماس والجهاد الإسلامي؛ وهذا ما أغضب إيران عليهما، فهي تريدهما مثل حزب الله، ولعلَّها أمّلت فيهما ما لم تكن قادرة على التأميل في حزب الله، كون حماس والجهاد حركتان فلسطينيَّتان سُنِّيَّتان. ومن هنا، ندرك الخسارة الرمزية الفادحة التي ضحَّت بها إيران، التي لولا سخونة المواجهة، ومصيريّتها، واحتياج إيران كل الداعمين فيها، لما اضطرت إلى هذا الحسم الذي لا يُسهم في حسم الدم النازف في سورية، ولا في حسم الدم النازف في فلسطين.