روسيا في سورية

روسيا في سورية

24 سبتمبر 2015
+ الخط -
في الأسبوع الماضي، كان من أبرز المَواضيع التي شدّت الانتباه المزاعم التي تقول إنّ روسيا أرسلت جنودًا وعتادًا عسكريّا إلى سورية، وكذلك مسألة المُقاربة الرّوسية لحلّ الأزمة السّورية التي عرضتها على الولايات المتحدة الأميركية.
أصرّت روسيا على أنّ المزاعم عن إرسال أسلحة ليس بهذه الدّرجة من التّهويل، واكتفت بالقول إنّ هناك معاهدات عسكريّة مع سورية مستمرة منذ فترة الحرب الباردة، وهذا ليس سرًّا، بيد أن مصادر متنوعة من المنطقة تصرّ على أنّ روسيا تطور حاليًّا القاعدة العسكرية في طرطوس، وتقوم بتحضيرات، من أجل تجديد القاعدة الجويّة في اللاّذقيّة.
عندما نقوم بتقييم التّطورات الحاصلة بشكل محايد، ومن زاوية واسعة، ندرك أنّه ليس من الصّعب فهم المخاوف الرّوسية. فالنّظام السوري تتهدّده مخاطر حقيقية في دمشق وحلب، ولدى روسيا مخاوف حقيقيّة تتمثل في فقدان قاعدتها العسكرية في البحر الأبيض المتوسط، ووصول الإرهاب الرّاديكالي إلى منطقة القوقاز.
ولهذه الأسباب، يبدو كما لو أن روسيا، في هذه الأثناء، رسمت حلاّ بخصوص المسألة السّورية، بالاتفاق مع الولايات المتّحدة. ولذلك تُحاول إقناع الأخيرة بثلاثة أمور مهمّة: أن لا يكون ذهاب الأسد من السلطة شرطًا للحلّ، والعمل على مُجابهة الإرهاب بالتعاون مع الاستخبارات الرّوسية، والبحث عن السبل الكفيلة بجمع النّظام في سورية مع قسم من المعارضة.
عندما نحاول تقييم الأحداث من وجهة النظر الرّوسيّة، يكون مُناسباً وضع تحليل فيما يتعلق بالشّروط التي وضعتها. وعند النظر إلى الوضع العام في سورية، يمكن ملاحظة أن النظام هناك يسعى إلى هدف محدّد، يتمثّل في التّحصّن ضمن حدود معيّنة.
ونتيجة ذلك، ما قامت به إيران لإبقاء منطقتي اللاّذقية وطرطوس تحت إدارة النّظام يجعلنا نفهم أنّ الاتفاقية مع روسيا في هذا الخصوص أمرٌ منطقيّ، غير أنّ الشّرط الأصليّ فيها وقف القصف عن المَناطق الواقعة خارج هذا المجال، وبالتالي، ضرورة وضع حدّ لقتل المدنيّين، أما المناطق السّورية الأخرى فتبقى موضع نقاش. والطّريق الأسلم من أجل رفع تّهديد الجماعات الراديكالية عن هذه المناطق تشكيل مجال آمن واسعٍ، وإحالة موضوع حفظ الأمن للدّولة التّركية الجارة.
وبالنسبة إلى موضوع حفظ الأمن وتقديم معلومات استخباراتية، فإنها تجعل إيواء عناصر راديكالية أمراً خالياً من أي معنى، ما سوف يسمح بحماية السكان المقيمين في المناطق التي يسيطر عليها النظام. كما أن الضّمانة التّركيّة سوف تجلب معها على نحو معين حماية حلف النّاتو. ولكن، من أجل تحقيق هذا الهدف، من الضروري إزالة العقلية البعثية كاملة، فقد أصبحت باليةً، ولن تحظى بقبول أيّ شعب، وفرض هذه العقليّة من جديد سوف يجلب معه اليأس للشّعوب.
الاستجابة لشرط روسيا ينبغي أن تكون قائمة على شرط وقف نزيف الدّماء، فنحن لا نسمح بقتل المُسلمين الموجودين هناك، ولا بقتل الجُنود الرّوس الذين تمّ إرسالهم إلى هناك، ولا يمكن أن نقبل تقسيم سورية. وفي حال تم تغيير الذهنيّة البعثيّة وإحلال السّلام في المنطقة، فخلال فترة قصيرة يُصبح ممكناً إحياء العملية الدّيمقراطية، وإجراء الانتخابات في كل سورية.
وعلى هذا النحو، يتحقق ثالث شرطٍ لروسيا، وتصبح إدارة حُكم البلاد بيد النّظام وبعض الأسماء من المعارضة المعتدلة، وأفضل طريقة للدّيمقراطية التّشارك، وسوف تتمكن سورية من بلوغ هذه التشاركيّة أوّل مرّة.
للأسف، لا تزال الدّماء تُسفك باستمرار، ويمكن التوصل إلى حلول جيّدة من أجل وقف هذا النّزيف بالتّفاهم، وإذا كانت روسيا تُريد توفير مناخ للسّلام عبر عقد اِتفاق سلام مع الغرب، فعليها أن تأخذ العبرة والدروس من الماضي، والتوصل إلى حلول عقلانية في هذا الخصوص، وهذا ممكن. وأي حلّ لا يكون فيه سفك دماء سيكون محل ترحيب ودعم من جميع الدول، وفي مقدمتها تركيا.
6CDB8DD5-0266-422A-AF0D-1E8B6F808880
6CDB8DD5-0266-422A-AF0D-1E8B6F808880
هارون يحيى (تركيا)
هارون يحيى (تركيا)