الاتفاقية الملعونة المقدسة

الاتفاقية الملعونة المقدسة

15 سبتمبر 2015

جنود فرنسيون يدخلون بيروت (1920،Getty)

+ الخط -
مرّ قرن على الاتفاقية الملعونة، والمقدسة في الوقت نفسه، والتي تسببت في تقسيم المنطقة العربية إلى دول فيها مشكلات طائفية عرقية لا تزال نعاني منها. وجاء مقالي السابق بإيجاز على ظروف أحاطت باتفاقية سايكس-بيكو-سازنوف. وهنا إيجاز آخر عن بعض تفاصيل الحرب العالمية الأولى التي تسببت في قيام دول عربية وأوروبية عديدة، أول حرب تشارك فيها دول كبرى ضد دول كبرى، ومن نتيجتها إعادة رسم خريطة العالم، وقيام دول جديدة على أنقاض إمبراطوريات كبرى، استمر حكمها مئات السنوات.
تفكّكت إمبراطورية النمسا-المجر، واستقلت المجر وتشيكوسلوفاكيا ومناطق من البلقان، وانهارت روسيا القيصرية، وتم إنشاء الاتحاد السوفييتي الذي كان لألمانيا دور في إنشائه، عندما دعمت فلاديمير لينين، وساعدت على قيام الثورة البلشفية، لإضعاف روسيا وإخراجها من الحرب، وحدث ذلك، عندما قامت الثورة، بسبب المجاعات ومقتل ملايين الروس بسبب الحرب. وتم تفكيك الدولة العثمانية، وانفجرت الثورة العربية الكبرى، بمساعدة بريطانيا ضد سياسة التتريك.
وكان اغتيال ولي عهد النمسا وزوجته في البوسنة، على يد شباب صربي من منظمة موالية لمملكة صربيا، الشرارة التي أشعلت الحرب، خصوصا بعد رفض صربيا التحقيق في الواقعة، ما دفع الإمبراطورية النمساوية المجرية إلى استغلال الفرصة، وغزو صربيا بمساعدة الإمبراطوريتين الألمانية والعثمانية ومباركتهما، فقد كانت هناك مصالح عديدة متقاطعة، مثل القضاء على التهديد الصربي- السلافي، وبسط النفوذ في البلقان، بجانب أطماع ألمانيا في غزو أوروبا، وبسط سيطرتها، ما دفع الإمبراطورية الروسية إلى التدخل، بحجة الدفاع عن الجنس السلافي في البلقان، فيما هدفها الأكبر غزو الدولة العثمانية، والسيطرة على البسفور والدردنيل، وانضمت فرنسا لمساندة حليفتها روسيا، ثم انضمت بريطانيا، بعد تهديد ألمانيا المصالح البريطانية وغزو بلجيكا التي كانت على الحياد.
وفور إعلان بريطانيا الحرب على الدولة العثمانية، تم تجميع ملايين الجنود من المستعمرات البريطانية، وتوجهت قوات من الهند إلى الخليج للسيطرة على منابع النفط. وكانت هذه السيطرة من أولويات القوات البريطانية، وقامت معارك مع الأتراك، انتهت بهزيمتهم واحتلال البريطانيين البصرة. وتحالف أمراء وزعماء عرب مع بريطانيا ضد الأتراك، بعد الحصول على وعود بالاستقلال عن العثمانيين وإمكانية إنشاء ممالك عربية. وكانت هناك مشكلات بين العرب والأتراك في شمال الجزيرة العربية، تفاقمت بعد خلع السلطان العثماني وتحويل تركيا إلى ما يشبه ملكية دستورية محتفظة بنظام الخلافة شكلياً، وهو ما تبعته سياسات التتريك التي لاقت مقاومة شديدة في المنطقة العربية، وتوازت معها بلورة فكرة القومية العربية والثورة العربية ضد العثمانيين.
وقد تلقى الشريف حسين وعوداً بإنشاء مملكة عربية في منطقة الجزيرة والشام وما شرق الحدود المصرية. وقاد الحروب العربية البريطانية عام 1916 لإخراج الأتراك من مكة والجزيرة، وقاد المارشال اللنبي الحرب، بمساعدة القوات المصرية ضد الأتراك في سيناء وفلسطين، إلى أن تقدم إلى سورية، وتم احتلال حلب ودمشق في 1918، وتولى اللنبي منصب المفوض السامي لمصر والسودان. ولعب لورانس العرب دوراً محورياً بشكل عام ودوراً تنسيقياً بين الحملة (البريطانية – المصرية لاحتلال سيناء وفلسطين) والثورة العربية الكبرى في الجزيرة العربية والشام، مع ترك رسم الحدود، حسب مصالح المجموعات العرقية.
ولا تزال "سايكس - بيكو" المعاهدة الأكثر إثارة للجدل وللتناقضات، بداية من ظهور حلم القومية العربية في وجه التتريك، ثم الاستقلال عن الدولة العثمانية، للوقوع في براثن الاستعمار ثم التبعية، نهاية بدول أنشئت بناء على مصالح المجموعات الأقوى، أو الأكثر قرباً وولاء للاستعمار، وليس بناء على تجانس القوميات والأعراق.
تناقضات مستمرة تشكلت عليها خريطة المنطقة التي يبدو أنها في مرحلة إعادة تشكيل جديدة، تناقضات بين طوائف ومجموعات تم تمييزها، وأخرى تم اضطهادها أو حرمانها من حقوقها. إنها "سايكس - بيكو" الملعونة- المقدسة، يلعنها بعضهم ويقدسها آخرون للسبب نفسه، إنها الحرب العالمية الكبرى التي دمرت إمبراطوريات، وأنشأت دولاً صغيرة وكبيرة في أوروبا والمنطقة العربية، دولاً استقرت، أو في طريقها إلى الاستقرار، أو دولاً تقدمت، أو تعيش نتائج الأساس الخاطئ لتأسيسها بناء على مواءمات غير عادلة وغير سليمة.

DE3D25DC-9096-4B3C-AF8F-5CD7088E3856
أحمد ماهر

ناشط سياسي مصري، مؤسس حركة 6 إبريل، حكم عليه بالحبس ثلاث سنوات، بتهمة التظاهر بدون ترخيص، وأفرج عنه في يناير 2017