مالتوس ونحن

مالتوس ونحن

19 اغسطس 2015

مالتوس .. كأن نظريته تعود مجدداً

+ الخط -
ظهرت في الغرب أفكار كثيرة، حاولت تفسير ظاهرة الانحطاط الحضاري لبعض الشعوب القديمة، وروّجت أن هناك مجتمعات متفوقة في الأساس، وأخرى دونية كالمجتمعات العربية. والحقيقة خلاف ذلك تماماً، فقد كان للعوامل المناخية والسكانية شأن حاسم في التقهقر التاريخي للمنطقة العربية. ففي القرن العاشر الميلادي، بلغ عدد سكان العالم العربي نحو 30 مليوناً، وعدد سكان أوروبا 30 مليوناً أيضاً. ولأسباب مناخية، راح العالم العربي يواجه جفافاً متمادياً، بينما راحت أوروبا تشهد مناخاً مطيراً وتزايداً في عدد سكانها. وفي القرن الخامس عشر، وصل عدد سكان أوروبا إلى مائة مليون، بينما بقي سكان العالم العربي على ما هو عليه. وفي الوقت نفسه، كان فاسكو دي غاما يكتشف رأس الرجاء الصالح، الأمر الذي أفقد خطوط التجارة القديمة أهميتها، وأدى إلى انتقال مركز الثقل الاقتصادي من البحر المتوسط إلى المحيط الأطلسي، أي من أيدي العرب إلى أيدي الأوروبيين. وفي هذه الأثناء، كان الأتراك يحتلون العالم العربي، ويُدخلونه ركوداً حوالي 400 عام.

لنلاحظ أن عدد سكان المعمورة كان، منذ ألفي عام، نحو ثلاثمئة مليون نسمة، وصار في سنة 1900 نحو 1،7 مليار نسمة. وهذا يعني أن عدد سكان العالم ازداد ست مرات في 19 قرناً. لكن، بعد قرن واحد فقط، تضاعف العدد أربع مرات دفعة واحدة، فصار أكثر من ستة مليارات نسمة (سيصبح في سنة 2050 نحو 11 مليار إنسان). وهذا ما حفّز العالم البريطاني، توماس مالتوس، قبل نحو مائة عام، على نشر نظريته في السكان والموارد. وفحوى هذه النظرية، أن عدد السكان يتزايد بمتوالية هندسية (1، 2، 4، 8، 10) في حين تتزايد موارد الغذاء بمتوالية حسابية (2، 4، 8، 16). وسيترتب على هذه المعادلة مزيد من الجائعين والاضطرابات. وأما الحل، فسوف تتكفل به العوامل الطبيعية وحدها؛ فمن شأن الأمراض والأوبئة والحروب الدورية أن تقلل عدد السكان إلى مستوى التوازن مع الموارد المتاحة.
رفض علماء الاجتماع هذه النظرية تماماً، واعتبروها غير إنسانية، فضلاً عن تهافتها. لكن، مع أوائل القرن الحادي والعشرين، بدت نظرية مالتوس كأنها تعود إلى الظهور مجدداً، ولا سيما في أفريقيا المهددة بالإيدز والمجاعات والحروب، وفي آسيا الإسلامية المهددة بالأصولية والإرهاب والقنبلة السكانية. ويبدو أننا سنشهد، بدلاً من الانفجار المعرفي، انفجاراً سكانياً غير متوقع، يضاف إلى انفجار الهويات والإرهاب. ففي نهاية الربع الأول من القرن الحالي، سيصبح عدد سكان مصر 120 مليون نسمة، وسيكون عدد سكان سورية، في منتصف القرن نفسه، 50 مليوناً، إذا لم تخفِّض الحرب الدائرة فيها هذه التوقعات، والعراق 60 مليوناً أيضاً. ما ستكون عليه الحال وقتذاك؟
ها هي عوائد النفط تنخفض، منذ اليوم، إلى أدنى درجات الانخفاض، والأمل في عودة زمن الوفرة ذهب إلى الأبد، وسيترتب على ذلك تراجع التنمية وتدهور التعليم وازدياد الأمية واندلاع العنف. ومنذ اليوم، ها هي الفِلبين، مثلاً، وهي من دول العالم الثالث، تسجل ألف براءة اختراع في كل سنة، بينما لا تسجل مصر أكثر من 15 سنوياً. حتى في السويد، وهي من دول الرفاه، راجت أغنية للشباب تقول: "هيا بنا نخترع"، بينما ما زالت أسر باذخة في بلادنا السعيدة، عندما تسافر في كل صيف إلى أوروبا، تترك أجهزة التكييف في المنزل وهي تشتغل ليل نهار، حتى تحافظ على النباتات الداخلية المنتشرة في أروقة المنزل وردهاته. وبعد ذلك، لماذا نستغرب ما حلّ بنا من أهوال وويلات، وما سيصيبنا من كوارث ونكبات؟ ولماذا نستنكر ما يفعله الآخرون بنا؟