عندما لا تكون الدولة شرطا للحرب

عندما لا تكون الدولة شرطا للحرب

18 اغسطس 2015
+ الخط -
لم تعد الحروب التي تقوم في الشرق الأوسط تحتاج إلى دول، فالدولة ليست شرط الحرب في عالم شرق القرن الواحد والعشرين، قرن الدول وتكتلات الدول. لهذا، بدا ساذجاً أن يعلن رئيس الحكومة في العراق الحديث، حيدر العبادي، الأسبوع الماضي، على الأشهاد، خوفه من إسقاط النظام في بغداد. 

كانت جموع المحتجين تطالبه بالرفع من منسوب الإصلاحات ومحاربة الفساد، لكنه كان يرتعد خوفاً من سقوط النظام! والحال أنه إذا حدث ذلك، فسيكون أول نظام يسقط قبل أن يوجد. وسنعيش معجزة عربية أخرى من معجزات التفكك، مفادها بأن النظام لم يقف، لكنه مر من العدم إلى السقوط دفعة واحدة. فلا أحد، ولو كان متدربا في علم السياسة، يعتقد أن هناك نظاماً سياسياً بمواصفات النظام الموجودة في العالم موجود في العراق. لا الأرض كاملة، ولا الأجهزة كاملة، ولا الجيش كامل، ولا الطبقات متراكبة، ولا الأحزاب أحزاب، مع شبكة التصنيف الطائفي والعشائري.
ثانيا، الحروب الدائرة بين النظام المفترض وخصومه تتجاوز معركة المظاهرات السلمية، التي تتم تحت وابل من النار، بل النظام لا يوجد حتى في حالة الحرب مع "الداعش"، ولو كان حيدر العبادي لينينياً، لقلنا إنه يبني دولة الثوار تحت نيران العدو، والحقيقة أنه يمثل تكتلا سياسياً تحت نيران الحلفاء.
في سورية، الشيء نفسه. هناك نظام قائم على جرف، والشيء الوحيد الذي يقتسمه سادته ليس كراسي الحكم، بل الهاوية.
حروب السوريين دخلتها الطائرات الأميركية وفرت منها معركة سورية/الجهاز، ولا أحد أصبح في وسعه أن يتصور شكل الدولة في خضم الخراب الذي تصنعه الطائرات التي تعض الفيل الداعشي من دون أن تقتله.
وفي سورية، يعتقد النظام أنه نظام، وهو شبيه بذلك الفارس القروسطوي، في رواية "فارس دولاروست". إنه يواصل المعركة، من دون أن يدرك أنه ميت. ولنا أن نتصور إمكانية المعجزة السورية: أن تكون ثلثا البلاد في كماشة داعش والآخرين، ويعتقد النظام، مع ذلك، أنه قادر على أن يكون نظاماً.

في الشرق الأوسط حرب أخرى، لم تعد في حاجة إلى دولة عربية، لكي تكون. لكن، هناك دولة احتلال قائمة. والاحتلال يستطيع أن يكون دولة، لكن خصومه العرب الشرق أوسطيين ليسوا دولاً. كل ما هناك سلطة تمثلها حركة فتح الوطنية، وسلطة مضادة تمثلها حركة حماس الإسلامية، في مواجهة إسرائيل، بدون وجود دولة فلسطين المحررة. لهذا، نحب أن ننظر إلى ما يقع بعين أخرى، ترى الحرب الديبلوماسية قبل أن تكون هناك سياسة، تعبر عنها بنية الدولة، وليس بنية السلطة، والتي تشكل مرحلة ما بعد منظمة الثورة، وما قبل منظمة الدولة.
تركيا، الدولة الكبرى في المنطقة نامت على ربيع ساخن، واستيقظت على حرب باردة، دارت بها دوائرها، وأصبحت تخوض حرباً ضد حزب من رحم المنطقة، عليها أن تحاربه في بلاد أخرى، لا وجود فيها للدولة، هي الجبال والعراق، أي البلاد التي تخشى سقوط النظام، ولا تنتبه إلى نهاية الدولة.
وسورية والعراق وتركيا يحاربون جيش "داعش" الذي أعلن عن ميلاد الخلافة، لإيمانه بأنها لا تحتاج إلى دولة بالمعنى الحديث، داعش الذي يحلم بالخلافة، يتمكّن مع ذلك، في تقدير خبراء الجغرافيا السياسية، من امتلاك بنية دولة أو تحت الدولة، ويتحرك حيث لا توجد الدول، كما في ليبيا الآن. المنطق نفسه والصيرورة نفسها: لا توجد دولة في الجماهيرية القديمة. لكن، توجد الحرب.
من مظاهر الجغرافيا العربية الحديثة في علوم الحرب أن الدول لا تتواجه، ولا تتحارب فوق الأرض أو في السماء، بل تخوض الحروب بعيداً عن بلدانها، فالمملكة العربية السعودية في حرب ضد إيران، تخوضها في اليمن، تحت قبة عربية واسعة، أو في سورية، تحت قبة إقليمية ودولية أوسع.
كارل فون كلاوزفيتز، الجنرال والمؤرخ الحربي البروسي، الذي يعتبر من أكبر المفكرين العسكريين على مر التاريخ، من أشهر أطروحاته أن الحرب امتداد للسياسة، لكن بوسائل أخرى. ولنا أن نستخلص أنه إذا لم تكن هناك سياسة فلن تكون الحرب امتداداً لها بوسائل أخرى، منها الدولة. ونعود إليه، أيضاً، لنقرأ في كتابه عن الحرب أن ما بعد الحرب سيكون سياسة، فهو يقول "السياسة تتحكم في الحرب، والحرب توظف بعد النصر سياسياً". ولنا أن نسأل من سيوظف الحرب سياسيا في الأقطار التي تعيش الحروب، إذا كانت الوسيلة التاريخية للسياسة، وهي الدولة، غير موجودة؟
لا جواب، ولعل ما ينقصنا هو التفكير بعقلانية وعمق في إشكالية الدولة: باسم هيغل أو باسم ماكس فيبر أو باسم كارل ماركس، لا بد من جهاز وكيان نسميه الدولة، يكون قادراً على أن يدخلنا إلى الشرط التاريخي.
والحقيقة أن هذه المعرفة تنقصنا بشكل تراجيدي، وعندما لا تتحول المعرفة إلى إرادة، يصعب أن نفكر في الحرب بمنطقها الذي وضعه خبراؤها، من الصيني سن تزو إلى كلاوزفيتز.

دلالات

768EA96E-E08E-4A79-B950-D8980EE5911C
عبد الحميد اجماهيري

كاتب وشاعر وصحفي مغربي، مدير تحرير صحيفة الاتحاد المغربية، مواليد 1963، عمل في صحيفتين بالفرنسية، من كتبه "أوفقير .. العائلة والدم.. عن انقلاب 1972"، ترجم كتابا عن معتقل تازمامارت. مسوول في فدرالية الناشرين المغاربة.