ذاكرة معين الطاهر

ذاكرة معين الطاهر

16 اغسطس 2015
+ الخط -
تقرأ كتاب "حوار مع معين الطاهر.. الكتيبة الطلابية: تأملات في التجربة"، وقد أنجزه إلياس خوري وميشال نوفل (منشورات ضفاف، 2015)، فيُسعفك بمعرفةٍ طيبةٍ عن مناقبيّة وطنية وأخلاقيةٍ، أقام عليها تشكيل فلسطيني لبناني عربي، في طورٍ مضى من محطات الكفاح الفدائي الفلسطيني المقاوم، في لبنان، إبّان الحضور العسكري والتنظيمي والسياسي الكبير لمنظمة التحرير وفصائلها هناك. ولا مجازفة في الزعم أن الإضاءة الثمينة التي يُيسّرها معين الطاهر، قائد ذلك التشكيل الذي بدأ باسم السرية الطلابية، ثم صار الكتيبة الطلابية، وتحوّل لاحقاً إلى كتيبة الجرمق، توفر لك بعض توازنٍ نفسي، تحتاجه وأنت تُعاين قدّامك قيعاناً واطية يقيم فيها الخراب العربي الراهن، وفي مقدمته الخراب الفلسطيني المعلوم، فأنت تقرأ في الكتاب ليس فقط عن شهداء كثيرين، كانوا جسورين في اشتباكاتٍ مع العدو الإسرائيلي، في عمليات نوعية، وفي صد اعتداءات، وفي هجمات ضده، بل أيضاً عن حالة وطنية عريضة، توازى السجال الفكري فيها مع فاعليةٍ في مواجهة العدو، وفي مخاصمة كل ما من شأنه إضعاف الوحدة الفلسطينية، أو التشويش على خيار المقاومة والمواجهة. 

تبدأ أسئلة الكتاب وإجاباته من بواكير التجربة الخاصة للقائد معين الطاهر، ثم تمضي إلى الكتيبة الطلابية، منذ بلورتها فكرةً، في 1974، وتروح، في الأثناء، إلى ما عبَر فيه هذا الجسم الكفاحي المقاوم (والثقافي) من اشتباكاتٍ فكرية وسياسية، صدوراً عن ماويّتها الماركسية المبكرة، وتالياً، ارتكازها المبدئي على أولوية الوطني الجامع، وتقدمه على أي خيار أو أيدولوجيا، وحتى ما بعد اجتياح بيروت في صيف 1982، وتأتي الأسئلة والإجابات، في الخواتيم، إلى هبوب مؤثرات ونزوعات إسلامية، بفعل مفاعيل داخلية وموضوعية ماثلة. وفي إطلالاتك في قراءتك الكتاب، على تفاصيل ومرويات شائقة، عن وقائع غزيرة، تعجبك السيولة في استنفار معين الطاهر ذاكرته، وكذا وقوفه على الجوهري والعميق في كل ما يأتي عليه من أحداث كانت تستجدّ وتتوالى، ويسردها بحرصٍ على توثيق المعلومة وإحاطتها بكل ما لها من جوانب. ولهذا الأمر (وغيره كثير) يتوفر الكتاب اللافت على إفادةٍ مضاعفة، فإنه يعد مساهمة مهمة في تدوين التغريبة الفلسطينية الطويلة، بتنويعاتها التي بلا عدد، ومنها تجربة المقاومة في لبنان، بكل بطولاتها ومآثرها وعظمة مطارح مهمة فيها، وبكل خيباتها وإخفاقاتها وبؤس ممارساتٍ غير منسيةٍ في غضونها أيضاً.
شاهدٌ شريك في محطة الكتيبة الطلابية، لا يسرد ويحكي بعين فدائي مقاتل فقط، بل أيضاً بعين مثقفٍ نقدي، صاحب أطروحةٍ في إحالاته إلى أبعاد فكرية وأخلاقية في تجربة الماضي ومتغيّرات الراهن. فلا نفع من استعادة الماضي، إنْ لم تشتمل على ما يُعين في تعيين أوجه عطبٍ واختلالٍ فادحة في الحاضر، ولا تحتاج شناعة الحاضر الفلسطيني إلى وصف. وكان طيّباً من إلياس خوري وميشال نوفل إشارتهما إلى أن الاستعادة، مع معين الطاهر، تصدر عن وجوب مراجعةٍ للتجربة "لا تخشى النقد"، و"لا تتوقف فقط عند الجوانب المضيئة من دون طرح الأسئلة الصعبة".
إنها مساهمة مقدّرة في حماية الذاكرة الفلسطينية، يُبادر إليها إلياس وميشال، فيما ثمّة ضعفٌ بيّن في هذا الجهد، وإنْ في المدونة الفلسطينية مذكرات ويوميات وسير ومحاورات نشرت، للحاج أمين الحسيني وفوزي القاوقجي وموسى العلمي وأكرم زعيتر وبهجت أبو غربية وإميل الغوري وخليل البديري وعوني عبد الهادي وذو الكفل عبد اللطيف ومحمد عزت دروزة، ثم لشفيق الحوت وخالد الفاهوم وطلال ناجي وعبد الرزاق اليحيى. وثمّة محاورات مع جورج حبش، مع جورج مالبرونو، وهناك حديث صلاح خلف مع إريك رولو "فلسطيني بلا هوية"، وكتابا "نايف حواتمة يتحدث" و"من القدس إلى ميونيخ" لمحمد داود عودة. وثمّة "انثيال الذاكرة" لفتحي البس و"حياة غير آمنة" لشفيق الغبرا، ومؤكد أن هناك غير هذه المساهمات المهمة التي تأخذ الحوارات الجديدة مع معين الطاهر عن "الكتيبة الطلابية" مطرحها البارز بينها.
معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.