حقائق عن داعش

حقائق عن داعش

13 اغسطس 2015
+ الخط -
ملأت أخبار تنظيم الدولة الإسلامية، المعروف اختصارا باسم داعش، فضاءات الإعلام، وشغلت الناس، وذهبوا في تفسير الظاهرة مذاهب شتى، ولا أذيع سراً هنا إن قلت إن أفكار التنظيم تجد قبولاً عند طيف واسع من أبناء الأمة، وثمة أنصار له عند كثير من أبناء النخب، والعامة، على حد سواء، بل يعوّل هؤلاء كثيراً على التنظيم في "قلب" طاولة الأحداث في المنطقة، وينتظرون الساعة التي ترفرف فيها أعلامه على قباب المساجد ومآذنها، والدوائر العامة، باعتبار أن هذا التنظيم حركة إحياء نهضوية حقيقية، ستعيد مجد الأمة، وتجدد لها دينها، وتسحق "قوى الكفر والطغيان"! 
وفي المقابل، واجه التنظيم حركة شيطنة واسعة النطاق، باعتباره عصابة إجرامية تضم شراذم من القتلة وشذاذ الآفاق، المهووسين دينياً الذين أمسكوا بأشد الرؤى والاجتهادات تطرفاً في الفقه الإسلامي، ناهيك عن "تمتعهم" بعبقرية غير مسبوقة في الجهل السياسي، وضيق الأفق، وتسطيح الأشياء، وغباء في تقدير المواقف، ونواميس التغيير، وعدم اعتراف جذري بما يسمى فقه الأولويات.
وبين هذا وذاك، هناك حقائق، لا بد من الوقوف عندها، توسلا لمزيد من فهم الظاهرة، والتعامل معها بما تستحق، لا استخفافاً مخلا، ولا تعظيماً خارجاً عن العقل.
أولاً، ثمّة جملة من ممارسات التنظيم الغريبة التي لا يمكن أن تعبر عن روح الإسلام وسماحته وعدالته، رواها لي من أثق بصدقهم، نقلا عن أقارب لهم يعيشون تحت "ولاية الدولة" في سورية والعراق، منها أنه جيء بأحد المواطنين، وقد أُخذت عليه بعض المخالفات الشرعية، ليمثل أمام "إمام" التنظيم في المنطقة، ليفاجأ أن ذلك الإمام هو أحد سعاة أحد المصانع في المنطقة، أما "المتهم" فكان أحد وجهائها، ولم يكن من"الإمام"، الساعي أو الآذن سابقا، إلا أن عفا عن المتهم، وصرف "الجُند" الذين أحضروه. لا نقول هذا الأمر تقليلا من شأن الساعي، ولكن، من غير المفهوم أن يتحول هذا المخلوق بين ليلة وضحاها إلى "إمام" مسموع الكلمة، ويتجبر في خلق الله، على هذا النحو. ومن القصص أيضا، حدث أن مر أحد "الدواعش" بفتى يقف بباب بيته، لا يتجاوز عمره الستة عشر عاما، وكان المؤذن يدعو للصلاة، فتحرش الداعشي بالفتى، باعتباره متخلفا عن تلبية نداء المؤذن، والمسارعة إلى صلاة الجماعة، ولم يكن المؤذن قد فرغ من رفع الأذان، وكانت النتيجة جلد الفتى ثمانين جلدة لهذا "التخلف" المُدّعى. ويقول لي الراوي، وهو أحد أقرباء الفتى، إن الضحية مكث في الفراش أسبوعا، جراء الجلد. منها أيضا جلد من يحلق لحيته، أو يدخن، وضربهم ضربا مبرحا، لا يتناسب مع "فداحة" الذنب.
والقصص كثيرة، ومشابهة، وهي وإن بدت لا شيء مع جرائم القتل والسحل والإعدامات المتلفزة، إلا أنها تعطيك مؤشرات عن مستوى التفكير السقيم الذي يميز "جنود" الدولة، ومدى التعسف في تطبيق رؤاهم، الأمر الذي يحيل حياة الناس الذين يقعون تحت سيطرتهم إلى جحيم، إن اشخاصا كهؤلاء يهددون بفتح روما، والسيطرة على العالم، يثيرون الشفقة، والحنق معا.
ثانياً، حتى لو سلمنا جدلا بصحة رؤى التنظيم واجتهاداته، من ناحية إسلامية، فهم لا يحملون أفكاراً غريبة تجعلهم يعتقدون أن الله معهم، وأنه سيمكّن لهم في الأرض، من دون نظر إلى مستوى جاهزيتهم واستعداداتهم لمناجزة الدنيا كلها، وهذه معتقدات مستقاة من فهمهم الأحداث وفق ما يصرح به أنصارهم، خصوصاً في حوارات الإنترنت، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وجهاز "إعلامهم" الضخم، المنتشر بكثافة على هذه المواقع. ولا نريد، هنا، أن نتطرق لعقلية المؤامرة التي يعتقد حاملوها أن التنظيم مجرد "لعبة" في أيدي القوى المتصارعة في العراق وسورية تحديدا، وكيف يتم ارتكاب جرائم بشعة باسم التنظيم، بل كيف يتم تسخير التنظيم لتنفيذ سياسات دولية عبر "السماح" بتمدده تارة، وإبادته تارة أخرى، وفق ما تقتضي مصلحة تلك القوى.

ثالثاً وأخيرا، أورد، هنا، رأيين لهما اعتبار معين، خصوصاً لدى من يؤيد داعش، ويتمنى أن يبسط نفوذه على بقية بقاع المنطقة، باعتباره "الراية" التي تخلصهم من الجور والظلم، وتعيد للأمة "كرامتها" وعزتها.
الأول للشيخ أبي محمد المقدسي الذي يعرف بأنه "منظر التيار السلفي الجهادي" في العالم، وأطلق سراحه أخيرا من السجون الأردنية، وقد جاء هذا الرأي للمقدسي قبل إطلاق سراحه، وضمّنه في بيان حال "الدولة الإسلامية في العراق والشام، والموقف الواجب تجاهها"، ونشرته مواقع جهادية مختلفة، وهو متداول على نحو واسع في شبكة الإنترنت. يقول الشيخ المقدسي في بيانه: راسلنا أخانا الشيخ القائد المجاهد، أيمن الظواهري، حفظه الله، ووضعناه في صورة سعينا في القيام في مبادرة إصلاح أو تحكيم بين تنظيم الدولة وجبهة النصرة، إلى أن يقول: وتعلمون أن تنظيم الدولة قد سفك الدماء المحرمة؛ وهذا موثق، ورفض الانصياع لقادة المجاهدين ومشايخهم ومبادراتهم ونصائحهم؛ إلى أن يتحدث عن "سوء فهمهم وسوء مقاصدهم، ليبرروا معاصيهم ويبرروا تمردهم وشقهم صف المجاهدين، وهي مبررات تثبت وتؤكد سطحيتهم وضحالة تفكيرهم، وتهلهل فقههم، ونزوعهم إلى الغلو، وتضخيم المسائل، وإعطائها أكبر من حجمها"، ثم يعلن، صراحة، وهنا أقتبس من كلامه: "تنظيم الدولة في العراق والشام؛ تنظيم منحرف عن جادة الحق، باغ على المجاهدين، ينحو إلى الغلو، وقد تورط في سفك دماء المعصومين، ومصادرة أموالهم وغنائمهم ومناطقهم التي حرّروها من النظام، وقد تسبب في تشويه الجهاد، وشرذمة المجاهدين، وتحويل البندقية من صدور المرتدين والمحاربين إلى صدور المجاهدين والمسلمين .. إلى غير ذلك من انحرافاته الموثقة "
الرأي الثاني للدكتور طارق عبد الحليم، وهو اسم معروف لدى من له اهتمام بالتيار السلفي الجهادي، ورأيه محترم لديهم. يكتب في مقالة في موقع منتدى المقريزي: إن كُتب لهذه التنظيمات، وعلى رأسها تنظيم البغداديّ الحروريّ، ومعه أنصار الإسلام وجيش المجاهدين، أن تنتصر، وأن تعيد أرض العراق لأهلها، فإنه، من المعلوم بالضرورة من عقيدة تنظيم البغدادي، أن سيكون ناراً على قادة الفصائل الإسلامية التي تحارب معه اليوم جنباً لجنب. وستبدأ عمليات اغتيالٍ ومداهمات لمراكزهم، وقتل لمواليهم بلا شك. فعقيدة هؤلاء، التي لا تتبدل ولا تتحول، أنهم على الحق كله، وأن غيرهم على الباطل كله، فهم يملكون الحق وغيرهم لا يستحق الحياة إن لم يكن معهم. هذا معروف متفق عليه، لا ينكرونه هم أنفسهم. وهذا ما سيؤدى إلى حمامات دم ستتبع انتصارات قادمة إن تحققت. ولا يغرّن أحد عدم التفاتهم لهذا الأمر اليوم، فهم والله يعملون تقية ويستخدمون بقية الفصائل لصالحهم حتى إذا تم الأمر، ضربوهم بيد من حديد. وهذا الأمر هو الخطر الداخلي الأكبر على التقدم الإسلاميّ في هذه المعركة، ضد الصفوية.
هذان رأيان أسوقهما، هنا، من باب العلم بالشيء، قبل إطلاق الأحكام والأحلام، خصوصاً لدى من يطيشون على شبر ماء، ولا يستطيعون التفريق بين الفجر الكاذب، والفجر الحقيقي.