داعشي وإن لم تبايع الخليفة

داعشي وإن لم تبايع الخليفة

28 يوليو 2015

هادي العامري: كل من بقي في الفلوجة إرهابيون ودواعش

+ الخط -
ذات يوم، وبعد أن تحول حزب البعث العربي الاشتراكي في العراق إلى مؤسسة بوليسية، لا علاقة لها بالفكر والأيدولوجيا، وبعد أن اختزل في شخص الرئيس العراقي الراحل، صدام حسين، قال، من على شاشة تلفزيون العراق، إن العراقيين بعثيون، وإن لم ينتموا. وكانت تلك المقولة بالنسبة لنا، ولشباب عراقي عديدين، رافضين الانتماء إلى حزب البعث، سلاحا رهيبا، ونحن نقاوم فيه الضغوط التي كنا نتعرض لها من الرفاق الحزبيين، لإجبارنا على الانتماء للحزب، فما إن ترفع هذه المقولة بوجه أي رفيق حزبي، حتى يهدأ ويعود أدراجه بخفي حنين. 
تذكّرت مقولة صدام، وأنا اشاهد ما جرى لمحافظة ديالى العراقية من عمليات قتل وتهجير وقصف بالهاونات لقرى سنية، عقب التفجير الإرهابي الكبير الذي ضرب ناحية خان بني سعد في المحافظة المحاذية لإيران، فلقد انتقمت المليشيات الشيعية المنفلتة من أي عقال من تلك القرى السنية، لا لشيء سوى لأن تلك المليشيات لا ترى في أهل السنة في العراق إلا امتداداً لداعش وتنظيمها.
في العراق اليوم حملة تقودها إيران وعشرات من الأحزاب والمليشيات التابعة لها، لا ترى في أهل السنة إلا "دواعش"، يجب قتلهم والتخلص منهم، ولعل مرورا سريعا على صفحات شخصية في "فيسبوك" لوزراء ومسؤولين أمنيين، وصفحات أحزاب سلطة وأخرى تابعة لما يعرف بالحشد الشعبي، تجعلنا ندرك تلك الحقيقة، فالكل يتوعد بالانتقام لقتلى الحشد والجيش الذين يسقطون في معارك الأنبار، وطبعا الانتقام من أهل السنة.

دعا، زعيم ما يعرف بمنظمة بدر، والنائب في البرلمان العراقي، والقيادي في مليشيات الحشد الشعبي، هادي العامري، عقب تفجير "بني سعد" إلى إعدام الفاعلين في مكان الحادث، وطبعا هنا الفاعل يجب أن يكون سنياً. ولكن، أي سني ذاك الذي سيقتله العامري في مكان التفجير؟
حتما ليس الفاعل الذي فجر نفسه، ولا الجهة التي خططت، ولا من له علاقة فعلية بالتفجير، وإنما بعض أهل القرى القريبة من بني سعد من أهل السنة الذين اعتقل بعضهم ممن لا علاقة به بالتفجير، لا من قريب ولا من بعيد.
وهنا التساؤل، ماذا سيكون مصير أهل الأبرياء الذين سيتم إعدامهم؟ هل اعتقال الأبرياء وإعدامهم، بدلا من المجرمين الذين لا تصل إليهم يد الحكومة يمكن أن تصنع سلاماً؟ أم إنها تدفع المزيد من الشباب إلى التطرف، وتزيد رصيد دولة أبو بكر البغدادي؟
تتعامل حكومة العبادي وقواتها، وقبلهم مليشيات العامري وحشده، مع أهل السنة على أساس أنهم دواعش، وإن لم يبايعوا البغدادي، وإن لم يفكروا بالانتماء إلى تنظيمه، وإلا كيف نفسر أن يصرح العامري أن كل من بقي في الفلوجة إرهابيون ودواعش، ويجب قتلهم والانتقام منهم؟ كيف نفسر حملة القصف الجوي والمدفعي والصاروخي على الفلوجة التي تشنها القوات الحكومية والمليشيات، وهناك أكثر من 50 ألف مدني ما زالوا يعيشون في المدينة، بعد أن فضلوا نار البغدادي وتنظيمه على جنة "بزيبز" التي قضى على مشارفها عشرات من أهل الأنبار، بانتظار أن تسمح لهم حكومتهم بفتح الجسر للدخول إلى بغداد. بل وصل الأمر بهادي العامري إلى التصريح أن كل من يرفض قصف مدينة الفلوجة "داعشي"، فلك أن تتخيل عدد الدواعش داخل العراق وخارجه، وأنت تطالع الهاشتاغات على "تويتر" التي ترفض هذا القصف الهمجي الذي لا يستهدف سوى المدنيين.
كل أهل السنة دواعش، لم يعد هذا الادعاء مقتصراً على مليشيات وأحزاب، وإنما تعدى الأمر إلى مسؤولين حكوميين ووزراء ونواب، طالبوا وما زالوا بقطع الرواتب عن الموظفين الحكوميين الذين ما زالوا يعيشون في المناطق التي تخضع لسيطرة داعش، معتبريهم "دواعش"، وإلا ما الذي دفعهم للبقاء في مناطق يسيطر عليها التنظيم، كما يقولون.
وهنا، يتناسى هؤلاء، بعمد وخبث وطائفية، أن بغداد لا تسمح لأهل الأنبار النازحين بدخولها، إلا بشرط توفر كفيل من أهل بغداد، كما أن مدناً يسيطر عليها لا يسمح داعش لأهلها بالخروج، وبالتالي، فإنهم مضطرون إلى البقاء فيها.
حالة الاستعداء على أهل السنة في العراق التي تنفذها أحزاب ومليشيات مدعومة من إيران، وتحت سمع حكومة بغداد وبصرها، أمر خطير وخطير جداً، لا يهدف فقط إلى الانتقام منهم، عقب كل فشل تسجله تلك المليشيات في قتالها تنظيم الدولة، وإنما أيضا تنفيذ أجندات التغيير الديمغرافي في بغداد، ومدن أخرى، بدأت عقب الغزو الأميركي للعراق عام 2003، ومازالت مستمرة.
حالة الهيجان الطائفي التي تغذيها أحزاب السلطة ومليشياتها في العراق، والمدعومة من مسؤولين كبار في الحكومة، وفي مقدمتهم نائب رئيس الجمهورية نوري المالكي، تمنح داعش أسباب البقاء، وتمدها كل يوم بعشرات ومئات من المناصرين، وربما المقاتلين من داخل العراق وخارجه، فمتى يفيق هؤلاء من سكرتهم؟

96648A48-5D02-47EA-B995-281002868FD0
إياد الدليمي
كاتب وصحافي عراقي. حاصل على شهادة الماجستير في الأدب العربي الحديث. له عدة قصص قصيرة منشورة في مجلات أدبية عربية. وهو كاتب مقال أسبوعي في عدة صحف ومواقع عربية. يقول: أكتب لأنني أؤمن بالكتابة. أؤمن بأن طريق التغيير يبدأ بكلمة، وأن السعادة كلمة، وأن الحياة كلمة...