رد.. ليس مأزق الدروز وحدهم

رد.. ليس مأزق الدروز وحدهم

03 يوليو 2015
+ الخط -
قدم الأستاذ غازي دحمان (المأزق الدرزي في سورية، العربي الجديد:27/6/2015) وصفاً دقيقا للحالة المعقدة والمركبة والخطيرة التي تواجهها طائفة الموحدين الدروز في ضوء الموقف السلبي الذي اتخذته الغالبية الدرزية من الثورة السورية، وتصدر الحركات "الجهادية" المسرح العسكري، وامتداد المواجهات العسكرية إلى عقر دارهم، لكنه جانب الصواب، حين اعتبر المأزق درزياً. 

كتب دحمان "المقصود بالمأزق الدرزي الوضعية التي يجد الدروز أنفسهم تجاهها، وكيفية مواجهة التحديات التي ستواجههم، والضغوط التي يتعرضون لها من أكثر من جهة، وكذلك الوضعية التي ستؤول إليها التطورات اللاحقة، وكيف يمكن إدارة الأزمة بطريقة لا تؤثر على ميزان العلاقة الهش بين الأطراف". قول ينطوي على خلل منهجي، يختزل الظاهرة في بعض عناصرها ويحمله مسؤولية الخلل ومترتباته، ويستبطن في أحكامه نظرة استشراقية، تنطلق في قراءة الحدث السياسي والاجتماعي من ربطه بالهوية (العرق، الدين، المذهب) التي تسعى الى التأسيس لمفاصلة سياسية واجتماعية نهائية، على خلفية المظلوميات والتوازن العددي، عبر اعتبار أطراف الصراع ممثلين لهويات متناحرة، لا يمكن أن تتفاهم وتتصالح وتنخرط في مشروع وطني واحد.
لم يعط دحمان حيثيات المشهد السياسي الذي أجاد في عرضه حقها في تفسير المواقف السياسية وتبريرها، ويدقق في الخلفيات والأسباب القريبة والبعيدة، ويحدد المسؤولية بعد ذلك، فقد أشار إلى البيئة الطائفية "المستفزة والمستنفرة"، و"الخلاف السياسي"، وإلى "أن المكون الأساسي لقوات المعارضة هي الكتائب الإسلامية"، و" إعلان زعيم جبهة النصرة، أبو محمد الجولاني، نيته تصحيح معتقداتهم". ولا أعطى استدراكه الدقيق والهام على كلام الجولاني، حيث قال:" وربما هذه واحدة من أخطر المشكلات التي أفرزتها الثورة، وهي عدم القدرة على السيطرة على التفاعلات على الأرض، وتوحيد الخطاب والسلوك الثوري، ووضع الأقليات في مستقبل سورية بعد الأسد". ولم يواصل، في سرد قراءته القاصرة، بل وألقى مسؤولية المأزق على كاهل الموحدين الدروز، وأوحى بأن معاداتهم الثورة جوهرية فيهم "تمنوا، منذ البداية، وأد هذه الثورة بأسرع وقت ممكن، بشعاراتها وثوارها، تجنباً للحرج الذي بدأ يزداد يوماً بعد آخر، حين لم تعد تكفي ذرائع محاربة الإرهاب والتصدي للمؤامرة، لتبرير السكوت عن المذبحة التي تتعرض لها الأكثرية في سورية". وكان المنطقي والموضوعي توزيع المسؤولية على أطراف المعادلة السورية، واعتبار المأزق مأزق المجتمع السوري بكليته، ومطالبتهم جميعا بالقيام بالدور المطلوب لرأب الصدع واحتواء المخاطر التي ستترتب على سيادة النزعة الطائفية في الفكر والممارسة.

لم يكتف دحمان بعدم فعل ذلك، بل انزلق إلى قراءة واقعة استقبال النازحين في السويداء، والساحل كذلك، قراءة تنطوي على تبسيطية واختزالية، فقوله:"وذلك نوعاً من التعويض النفسي واستثمار مستقبلي، لإثبات أن وقوفهم ضد الثورة لم يكن يعني وقوفهم ضد البيئة التي أنتجتها، وربما شجع رجال الدين هذه الخطوة، لإسكات كل الأصوات المخالفة لهم في الطائفة". اتهام مبطن ينكر على محتضني النازحين امتلاك نزعة وطنية، وهي هنا معروفة ومثبتة وراسخة، في حين كان من الممكن، منطقياً وتاريخياً، رفع الموقف إلى سوية أعلى، بتحديد طبيعة الاستثمار المستقبلي الذي أشار إليه على انه استثمار وطني من أجل سورية موحدة، تسود فيها العدالة والمساواة والتسامح، فالتمييز بين الثوار والفاعلين السياسيين والمواطنين العاديين، حتى لو كانوا من حاضنة الثورة، يؤشر إلى حرص على الشعب والوطن أكثر من "التعويض النفسي" و "إسكات الأصوات المخالفة" ويتضمنها.
انطلق دحمان من مسلمةٍ تعتبر الوطنية في جهة وتنزعها، في الوقت نفسه، عن الجهات الأخرى. ينسى التاريخ القريب والبعيد، وما يعكسه من حقائق ومظالم، نسي دور الموحدين الدروز في الثورة السورية الكبرى عام 1925، نسي استئثار النخبة المدينية (السّنة، الشوام) بثمار الاستقلال واستبعاد الدروز، نسي اضطهاد الحكومات، من حسني الزعيم إلى حافظ الأسد، الموحدين الدروز، نسي لعب النظام الحالي على مسألة الأقليات، والدفع بتشكيل حلف أقلياتي لرفع نسبة حاضنته وتحصينه من النقد، وتسفيه الدعوة إلى الإصلاح والتغيير.
كان الموقف المنطقي والموضوعي اعتبار عدم "تطوير المكونين الأساسيين في المنطقة، السنة والدروز، صيغاً للتنسيق والتفاهم، لتجاوز أي قطوع قد تحصل"، وعدم تطوير "آليات لاحتواء النزاعات التي قد تحصل، وهي احتمالات واردة على الدوام". ليس مسؤولية المكونين فقط بل ومسؤولية المجتمع السوري بالأساس، المثقفين والسياسيين خصوصاً، ومسؤولية الثوار وقادة الثورة بوجه أخص، لأنه من مستدعيات نجاح تحركهم وبلوغهم أهدافهم ترويج فكرتهم والعمل على إقناع المواطنين بها، ودعوتهم إلى المشاركة فيها، وتحاشي العقبات السياسية والاجتماعية وتلافي المعارك الجانبية. فهل فعل الثوار وقادة الثورة ذلك، وهل قدّروا انعكاس دخولهم مناطق ذات طابع خاص وحساس مذهبياً، وهل الذين هاجموا القرى الدرزية، واختطفوا بعض أبنائها كانوا مدركين المخاطر التي تنطوي عليها خطوتهم، ويستدعي الموقف المنطقي والموضوعي جعل تجاوز القطوع الراهنة ورأب الصدع بين أبناء درعا والسويداء مسؤولية الجميع مع مطالبة الطرف الساعي إلى التغيير، وكجزء من مشروعه ومسؤوليته الثورية، البدء بالخطوة الأولى، وعدم الاكتفاء بإصدار البيانات التي تعكس نيات إيجابية تجاه الطرف الآخر.