#مكة_لايف وتلفزيوني الأزرق الصغير

#مكة_لايف وتلفزيوني الأزرق الصغير

16 يوليو 2015

من مشاهد "مكة لايف"

+ الخط -

أعادتني المشاهد المتنوعة التي بثها موقع سناب شات، ليلة السابع والعشرين من رمضان الجاري، لأجواء مكة المكرمة والمعتمرين فيها، بطقوسهم وشعائرهم وتنوعهم اللافت، إلى تلفزيوني الأزرق الصغير، والذي كتبت عنه في كتابي (هذا الجناح جناحي)، وأعني به اللعبة التي تصنع على شكل تلفزيون، بحجم مكعب علبة الكبريت تقريباً، ونستطيع أن نرى من خلالها بعض مشاهد الحج في صور ملونة ثلاثية الأبعاد. كتبت، في كتابي، أنني لست بحاجة "للمزيد من وصف ذلك التلفزيون الصغير. فكل من في جيلي والأجيال السابقة لجيلي يعرفه تماماً. إنه سحر الحج بالنسبة لطفولتنا البعيدة. لا أكاد أتذكر أنني عدت مع والدتي من زيارة تهنئة لحجاج عائدين، إلا وأنا أمسك بين يدي تلك الدهشة الزرقاء. أنظر من خلال عدستها الصغيرة المثبتة على ظهرها، فينتابني سحر المكان المقدس. أضغط على أسفل التلفزيون، فتتبدل المشاهد أمامي بصور ثلاثية الأبعاد كانت بالنسبة لنا هي السحر نفسه. كل مراحل الحج ومعالمه مصورة ومحشورة في تلك العلبة التلفزيونية الصغيرة.

يا الله..

ها هي أمامي الآن، مكدسة أمام واجهة المحل، فكيف أفوّت الفرصة؟

في ذلك المحل الصغير الذي قبع تحت واحدة من البنايات المحيطة بالحرم النبوي، أمسكت بكنزي الأزرق، كأنني أخشى أن أفقده، فأفقد ذلك الحنين الذي بثه فيّ منذ رأيته.

اشتريت أربع دزينات من ذلك التلفزيون، لأنني نويت أن أهدي واحداً منها لكل من أعرفه من جيلي. لا بد أنها ستكون هدية مفرحة وظريفة".. وفعلاً، كانت تلك التلفزيونات الصغيرة يومها هدية ظريفة، فرح بها كل من أهديتها له من أبناء جيلي الذين يشاركونني لحظات الحنين إلى ذلك الزمن المعتق الذي كانت الصورة فيه تناضل، كي تعبر بسلام إلى شاطئ الحلال، في ظل فتاوى كثيرة كانت تحرمها.

لكن الصورة، الآن، تسيدت المشهد كله في البيت الحرام، وأصبحت هي الإشارة الأولى في الذهاب والإياب من وإلى البيت العتيق، ولا يمكن لحاج أو معتمر أن يعود إلى وطنه، من دون صورة تذكارية له أو أكثر، يظهر فيها مع الكعبة وغيرها من معالم البيت العتيق. ودعاة وفقهاء كثيرون رأوا فيها حراما أصبحوا يقدمون أنفسهم للآخرين من خلال الصورة نفسها، ثابتة أو متحركة. وعندما اجتاحت ظاهرة "صورة السيلفي" العالم كله، كان للحجاج والمعتمرين نصيبهم منها، وأتى، قبل أيام قليلة، سناب شات ليضيف الحيوية والدهشة إلى النقل المباشر لليوميات العادية، والتي لم تكن صرامة التلفزيون الرسمي في نقله المباشر لتلتفت إليها.

تشير مواقع اهتمت برصد ردود فعل رواد مواقع سناب تشاب من غير المسلمين إلى ارتياحهم تجاه ما رأوه من مشاهد للمسلمين في أهم أماكنهم على الإطلاق، وهو يؤدون شعائرهم الدينية، ويصنعون طعامهم ويأكلون ويشربون ويتمشون ويتهاتفون، ويرسلون رسائلهم إلى العالم كله بهدوء وسلام وطمأنينة وفرح. حيث أزاحت تلك المشاهد العفوية الصور الدموية المرعبة الآتية من بلاد الإسلام الرازحة تحت وطأة مشكلاتها مع التطرف الديني، والتي لا تكاد تخلو نشرة أخبار منها.

وكما فكك التلفزيون الأزرق الصغير، بصوره المدهشة، بعضا من غموض الحج، بالنسبة لطفولتنا، وجعله بالنسبة لنا حلماً غارقا في لذة الفرح، أزاح سناب شات بصور #مكة_لايف السريعة القليل من الغبار الذي أثارته دعوات التطرف، وتداعياتها القبيحة، عن وجوه المسلمين في تلك الليلة وذلك المكان فقط، وقدمها للعالم بلطافة ورهافة، وابتسامات بيضاء غارقة في لذة الإيمان. لكن غباراً كثيراً ما زال يتراكم ويتراكم، يوماً بعد يوم، بفعل فاعل.. أو فاعلين وهم كثر، ولا بد لنا من حلول أوسع من التلفزيون الأزرق، وأبعد من سناب شات لإزالته.

 

دلالات

CC19B886-294F-4B85-8006-BA02338302F0
سعدية مفرح

شاعرة وكاتبة وصحفية كويتية، من مجموعاتها الشعرية "ليل مشغول بالفتنة" و"مجرد امرأة مستلقية"، ولها مؤلفات نقدية وكتب للأطفال. فازت بعدة جوائز، وشاركت في مهرجانات ومؤتمرات عدة.