حين تتحول المساجد إلى كمائن

حين تتحول المساجد إلى كمائن

04 يونيو 2015

مسجد الإمام علي في القطيف بعد تفجيره (22مايو/2015/أ.ف.ب)

+ الخط -

لا يوجد مكان آمن للمسلمين، شيعة كانوا أو سنة، والشيعة أكثر من السنة، حتى بيت الله، المسجد الذي يكنّ له المسلمون عادة إحساساً بالرهبة والتقديس لا يضاهى، أصبح كميناً مضمون الضحايا، وصارت بيوت الله من أخطر الأماكن في العراق وباكستان والسعودية واليمن
نكبِّر قبل الصلاة، وعند الدخول، ثم بعد الانفجار بقليل، ترتفع آيات التكبير من جديد بقتل من كبَّر قبلنا.

من يصدق أن الذين يفجرون أنفسهم في المساجد، يقرأون القرآن، وأن الذين يهاجمون المصلين توضأوا، قبل أن يقتلوا باسم الذات الإلهية؟

أربعة عشر قرنا خلت، والله سبحانه وتعالى كتب وصفة استعمال المساجد ووصفة للأمن، لمن يريد أن يختار بيته واحة وسط صحراء العالم، والمفارقة أن الذين كان لهم القرآن، ومن كتبت لهم وصفاته في السلم، هم الذين حولوا المسجد إلى نقطة ألم كبرى في أرض الإسلام.

وكما يحدث مع الشمعة، فإن النقطة الأكثر عتمة هي بالذات التي تكون أسفل المحراب 14 قرناً، ولم يتحرر المسجد، مع ذلك، من الدم الأول الذي سال فيه دم عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، عندما هوى عليه لؤلؤة بالقتل، ليسمم تاريخ البشرية المؤمنة بأول جريمة قتل في بيت الله.

أربعة عشر قرناً، ولم نحرر المساجد أبداً من أحقادنا، وهناك، حيث يكون الإيمان أقرب إلى الحياة، يكون الخطر في جوار الألوهة، حيث يمر القتلة باسم الله وباسمنا.

منذ نفذ الخنجر إلى قلب عمر، من وراء حجاب الظهر، ونحن نعيد التجربة جماعياً، في الحفاظ على المكان المظلم في المكان "الأكثر إضاءة".

يريد الله أن يكون المسجد بيتا له، يدخله الذين وجدوه لتطمئن قلوبهم، فتدخله الأشباح، تستل السيوف في بداية الخلق الديني، ثم تنتقل، تبعا لتسلسل الجريمة في العصر الحديث، لتستل الرشاشات وتفتح النيران، والأكثر براعة من المسلمين هم الانتحاريون الذين يصرون على حمل قتلاهم معهم، من المسجد إلى قبة الله اللامرئية.

يقول الله في قرآنه الكريم إن المساجد له، ويشدد العقوبة على الذين يريدون منا أن نمنع فيها ذكره هؤلاء الأشد كفراً، "وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ، وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَـئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَآئِفِينَ، لهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ، وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ".

مع ذلك، إذا استبد بنا الخوف، لن نستطيع أن نهرب إليها، ولن يهرب إليها مسلم، قبل غيره من أنصار الديانات الأخرى إلى الله. هنا، تكمن سخرية الترقب، أليس العدو هو الموعود بالشر في المستقبل، حيث لا أمان له؟ كيف نصبح نحن أعداءنا، أو لعلنا أفضل ما نملكه من أعداء لنا؟

سبق أن وقعت الواقعة، واستيقظ المسلمون في العالم على الدم يسيل من جديد في الحرم المكي، عندما اقتحم جهيمان بن محمد بن سيف العتيبي، الموظف في الحرس الوطني السعودي المسجد الحرام وقت الفجر، وأعلن ظهور المهدي المنتظر، وفي لحظة هذيان قصوى، اكتشف هو ومن معه أن العلامات الخاصة بالمهدي، والصفات المتعلقة بشخصه، تنطبق على أحد أفراد الجماعة، وهو محمد بن عبد الله القحطاني، المتزوج أخت جهيمان، فبايعوه على الخروج، وطلبوا من جموع المصلين مبايعته، وكان جهيمان وأصحابه قد أغلقوا أبواب المسجد الحرام، ومع تدافع القوات السعودية، وتبادل الطرفين النيران الكثيفة، سال الدم، وذهل المسلمون، وهم يتابعون القتل في الحرم.

لم يكن يوم المهدي المنتظر، في تقدير المرحلة، آخر أيام الذهول العام، بل ستتحول المساجد إلى نقط كمائن في أرض المسلمين، بل أصبحت الأهداف الأكثر إغراء للقتلة من الدين الإسلامي، باعتبارها مساجد ضرار، أو باعتبارها مخادع للعدو من الطائفة الأخرى، والاسم الحركي الجديد للمدافن.

قضت المساجد زمنا طويلاً، وهي عرضة للسلطة، ومسرحا لإعلان الحكم والوظيفة المنبرية له، وبهذا المعنى، كانت بوابة تعميم الشرعية للحاكم ومباركة السلطة، وكان علينا أن نخوض معركة طويلةً، لم ننهها بعد من أجل تحرير المساجد من الاستعمال السلطوي، فإذا بنا نضيف إليها، في القرن الواحد والعشرين، القتل والتفجير والحروب الطائفية، حلاً فاشستياً للخلافات حول السلطة ذاتها. وأصبح التعايش مع الجثث تحت سقف المسجد الواحد جدولاً يوميا للحروب الجديدة بين أبناء الوطن الواحد، أو عبر تصدير التوابيت من الأوطان المجاورة، كما حال هجوم أنصار داعش على مساجد في السعودية، أو هجوم أنصار طالبان في أفغانستان على المساجد في باكستان.

كيف نتحرر، إذن، من كمِّ هذا الدم على جدران المساجد، وعلى جدران الروح الدينية للمسلمين؟

إنه السؤال الذي يجب أن يكون عنواناً لتحرر النص الديني من القتلة، وتحرر التدين نفسه من الموتى الذين يقتلون الأحياء من وراء نصوص، وهي الإشارة إلى الفتاوى القديمة والمحينة، بلغة الكمبيوتر التي تستعيدها الفصائل الحالية لتبرير القتل، بل وجعله تسلية ميتافيزيقية للمؤمن الحقيقي في عصر القنابل البشرية.

768EA96E-E08E-4A79-B950-D8980EE5911C
عبد الحميد اجماهيري

كاتب وشاعر وصحفي مغربي، مدير تحرير صحيفة الاتحاد المغربية، مواليد 1963، عمل في صحيفتين بالفرنسية، من كتبه "أوفقير .. العائلة والدم.. عن انقلاب 1972"، ترجم كتابا عن معتقل تازمامارت. مسوول في فدرالية الناشرين المغاربة.