سورية ومعاناة المثقف الجاهل

سورية ومعاناة المثقف الجاهل

30 يونيو 2015
+ الخط -
أصبح الصراع التحليلي والتكتيكي على صفحات الميديا الاجتماعية على أشده. إنها محاولة مشوهة لعكس واقع حقيقي يجري ميدانياً في الجزء الشمال الشرقي من أرض سورية.
يعود الحديث عن الأقليات والأكثرية إلى المقدمة. ولكن، من باب آخر، يبتعد قليلاً هذه المرة عن الصراع السني الشيعي. سمعنا، قبل أيام، أخباراً عن تهجير لعرب الجزيرة السورية، مرفقة بصور، قال ناشروها إن الكرد ينتقمون من العرب، والحجة الرئيسية، بل الزعم الرئيسي، أن العرب يشكلون هناك حاضنة شعبية لتنظيم الدولة الإسلامية، ويقدمون الدعم له ضد جيرانهم الأكراد. لنسمع، بُعَيْدَ ذلك، نفياً كردياً لمثل حوادث كهذه، تتبعه تصريحات لمسؤولين في أحزاب كردية، تتوعد بالمحاسبة لمن فعل ذلك؛ إذا كان فعلاً قد فعل.
شخصياً، لا أستسيغ استخدام مصطلح "الأخوة الأكراد"، ربما لأن لي أصولاً كردية عميقة، وموغلة في القدم، وللسبب نفسه، لا أحب أن أقول الإخوة العرب، لأنني محسوبة عليهم، وأزعم، أيضاً، وللسبب نفسه، أني أستطيع أن أتحدث، وأشتكي مما يجري بحيادية قريبة للواقع.
فوجئنا، أخيراً، بخبر عن مجزرة بحق الكرد في كوباني (المحتلة، فالمحررة فالمهددة بالاحتلال مجدداً) ارتكبها بعضُ عناصر تنظيم الدولة الإسلامية؛ بعد أن تنكّروا بزي مقاتلين أكراد على ما روى بعضهم. كانت داعش قد خسرت تل أبيض منذ أيام، واعتبر محللون أنها ستنحسر إلى العراق، وأننا قريباً سنشهد غياباً لها عن المشهد السوري. ومع هذا، لا معنى لمجزرة كوباني الأخيرة من الناحية العسكرية، فقتل مائتي مدني، معظمهم من النساء والأطفال، لا يعني أي تغير في خارطة السيطرة على الأرض. القتل يأتي بحق الجميع في سورية، ولا أعتقد أن هناك ديناً أو طائفة أو عرقاً قومياً سلم من المجازر، أو أنه لم يفقد الكثير من أهله وناسه حتى الآن.
ولن أقول إن مسألة المجازر والقتل آنية، أو يمكن العبور فوقها في معرض توصيف الحالة الراهنة على الأرض، لكن المقدمة الطويلة تلك، ليعقبها عتب كبير على فريق من المثقفين السوريين، من عرب وكرد، أخذ كل منهم حق الدفاع عن قوميته، واستأثر بالحديث عنها لنفسه، من دون أن يفكر بالرجوع إلى رأي أحد، حتى لو كان من المتحدرين معه من العرق نفسه. ثمة فيديوهات عنصرية خرجت عن جهلة هنا أو هناك، وانتشرت بسرعة البرق تحت عنوان "أرأيتم حقدهم البغيض؟" ولكن، أقول هنا، ومن دون أدنى شك، أن نجاح الكرد في طرد داعش من مدينة أو قرية هو انتصار لسورية، ومن غير المسموح لأي كردي متعصب أن يحوله إلى نصر للكرد على العرب، كما هي، في الوقت نفسه، غير مقبولة حالة تشفٍّ أو حتى لا مبالاة بدرت عن مثقفين عرب سوريين، أَخرجوا القامشلي من حساباتهم ونزاعاتهم، على أنها ليست متصلة مع سورية، في اعتراف بحالةٍ لم يقبلوا بها علناً، لكنهم يستخدمونها، أقصد الدعوة الانفصالية، في محاولة تخوين أي كردي عند أول خلاف معه في الرؤية أو الرأي.
ليس من المستحيل بناء سورية من جديد، ولملمة جراحها. لكن، ما هو صعب حقاً يكمن في معالجة حالة بارانويا راسخة، تعاني منها مكونات سورية، مجموعات وأفراداً، ظهرت أعراضُها على السطح أخيراً. وإذا لم نقبل بهذه الولادة الصعبة لوطن جديد تكون المواطنة فيه أساس الانتماء، ويشكل فيه الدستور أساس المفاضلة بين الناس، فسنبقى نتقاتل، ويخون بعضنا بعضاً، زمناً طويلاً، لا يدري أحد متى سينتهي.