حيرة إسرائيلية

حيرة إسرائيلية

26 يونيو 2015

تطويق مكان العملية في القدس (21يونيو/2015/Getty)

+ الخط -
دأبت إسرائيل، أخيراً، على إطلاق تسمية (عملية فردية) على عمليات تستهدف مستوطنيها أو جنودها، وتحديداً في القدس، دهساً أو طعنا أو إطلاقا للنار أو إلقاء الزجاجات الحارقة، لتبرير عدم قدرة أجهزتها الأمنية على منع وقوع تلك العمليات، وعلى مراقبة نيات كل فلسطيني تجاه إسرائيل، خصوصاً أن من يقوم بتلك العمليات أفراد، وليسوا تنظيمات ولا خلايا ولا مجموعات، ما يصعب على الأجهزة الإسرائيلية عملها في منع وقوع تلك العمليات. 

لم تعد أمام إسرائيل وسائل كثيرة لوقف تلك العمليات، والتي يقوم بها أفراد من الصعب معرفة نياتهم، خصوصاً أن وراء تلك العمليات الفردية ليس فقط تراجع عمليات التنظيمات الفلسطينية، بل الاحتلال وممارساته الظالمة والمستمرة بحق الشعب الفلسطيني. فكم شاب وشابة تعرّضوا للانتهاكات والاستفزازات، وهم في طريقهم إلى مقاعد الدراسة في المدارس والجامعات الفلسطينية؟ وكم من عامل تعرّض للإذلال والإهانة، وهو في طريقه للحصول على لقمة عيشه، في الضفة الغربية وفي داخل الخط الأخضر؟ وأدت هذه الممارسات إلى إحداث حالة من الاحتقان والكراهية والحقد تجاه الاحتلال وجنوده ومستوطنيه لدى أعداد كبيرة من الشباب والشابات الذين سبق وأن تعرضوا للإذلال والإهانة من الجنود الإسرائيليين على الحواجز العسكرية في كل أنحاء الضفة الغربية.
ومن الطبيعي أن يتم انفجار ذلك الاحتقان في أول فرصة يشعر بها من تعرّض للإذلال، وحتى بدون قرار وتخطيط مسبق، ما يضع إسرائيل وأجهزتها الأمنية أمام هذا الشكل الصاعد من أشكال المقاومة الفلسطينية الآخذة بالازدياد، خصوصاً لما حقق من نجاح وإرباك للمؤسستين الإسرائيليتين، الأمنية والسياسية.
ما يميز العمليات التي حدثت، أخيراً، ويعطيها أهمية سياسية وأمنية كبيرة، أنها جاءت في ظل ما تسمى التسهيلات الإسرائيلية الكبيرة التي يتم منحها لشرائح واسعة من المجتمع الفلسطيني في الضفة الغربية، سواء بالصلاة في المسجد الأقصى المبارك، أو بالدخول إلى باقي المدن. وأرادت إسرائيل، من بين ما أرادت تحقيقه، إعطاء جزرة كبيرة للشعب الفلسطيني، بالعدد الكبير من التصاريح في مقابل استمرار الهدوء والتعايش مع الاحتلال والاستيطان، وتحقيق رؤية الليكود بشأن ما يسمى السلام الاقتصادي، حيث جاءت العمليات، أخيراً، رسالة رفض واضحة لتلك السياسة الإسرائيلية أن هذه التسهيلات والتصاريح لن تكون بديلاً عن الحلول السياسية، وأن الشعب الفلسطيني لا يمكن احتواؤه بفتات من التصاريح وغيرها من التسهيلات.
لذلك، بات مؤكداً استمرار تلك العمليات الفردية، طالما أن الاحتلال وممارساته الظالمة وعربدته مستمرة، وأن المحاولات الإسرائيلية بالقفز عن أساس المشكلة، وهي الاحتلال، وإلهاء الشعب الفلسطيني بقضايا جانبية كالتصاريح، سياسة فاشلة، ولن تحقق ما تصبو إليه إسرائيل.
ومن ضمن ما أرادت سلطات الاحتلال تحقيقه من تسهيلاتها تلك إيصال رسالة للمجتمع الفلسطيني في الضفة بأن حكومة إسرائيل وإدارتها المدنية معنية بحياة كريمة للمواطن الفلسطيني، بالسماح له بالتنقل بحرية بين الضفة واسرائيل، مع محاولة إظهار السلطة الفلسطينية وكأنها طرف معيق أو حلقة وصل بين إسرائيل والمواطن الفلسطيني.
إضافة إلى الأبعاد السياسية للموضوع، البعد الاقتصادي حاضر وبقوة، وسيؤدي إلى تدفق مئات ملايين الشواقل إلى الأسواق والمتاجر الإسرائيلية، في وقت ينتظر فيه السوق الفلسطيني بفارغ الصبر قدوم شهر رمضان الكريم، لما له من حركة شرائية، وخصوصاً الأغذية والملبوسات وقطاع الخدمات.
الأخطر محاولة الاحتلال الحصول على غطاء فلسطيني رسمي على تلك التسهيلات، ما تجلى بوضوح في المطلب الإسرائيلي من الأمن الفلسطيني التأكد من ملاءمة المعايير الإسرائيلية على الراغبين بالصعود على الباصات التي تم تخصيصها لنقل المواطنين من مدنهم وقراهم باتجاه القدس، الأمر الذي رفضته السلطة بشكل قاطع، وكان يعني إعطاء الشرعية والموافقة الفلسطينية على السياسات الإسرائيلية تجاه دخول الشعب الفلسطيني مدينة القدس. أي أن إسرائيل هي من يحدد هوية الذين يرغبون بالصلاة في القدس، وهي من يحدد متى تسمح لهم بالدخول.