قمة الدول السبع الصناعية الكبرى ومستقبل العلاقة مع روسيا

قمة الدول السبع الصناعية الكبرى ومستقبل العلاقة مع روسيا

18 يونيو 2015

قادة الدول الصناعية السبع الكبرى في اجتماعهم (7 يونيو/2015/الأناضول)

+ الخط -
اختتمت مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى قمتها في الثامن من يونيو/حزيران 2015، في مدينة شلوس إلمان في جبال الألب البافارية في ألمانيا. وتتشكّل السبع من ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وبريطانيا والولايات المتحدة وكندا واليابان. وقد ناقشت القمة قضايا راوحت بين الاحتباس الحراري ودرجة ارتفاع حرارة الأرض، مرورًا باتفاقات التبادل التجاري والقضايا الصحية العالمية، مثل مرض إيبولا، فضلًا عن مشكلة الديون اليونانية، والحرب على "التطرف"، وتحديدًا تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، غير أنّ الأزمة الأوكرانية والعلاقات المتوترة مع روسيا كان لها النصيب الأكبر من نقاشات القمة.
وهذه هي القمة الثانية للدول السبع الكبرى التي تُعقد من دون روسيا، بعد أن ألغيت القمة التي كان مفترضاً أن تنعقد في منتجع سوتشي الروسي على البحر الأسود في يونيو/حزيران 2014، على خلفية التدخّل الروسي في أوكرانيا وضمّ شبه جزيرة القرم، لتنعقد بدل ذلك في العاصمة البلجيكية، حيث قررت الدول السبع طرد روسيا من مجموعة الدول الصناعية الثماني الكبرى التي كانت انضمت إليها عام 1998، لتعود المجموعة إلى التسمية التي أخذتها منذ إنشائها عام 1976. وكان تمديد العقوبات الأوروبية على روسيا التي تنتهي في يوليو/تموز المقبل الهدف الرئيس للولايات المتحدة في هذه القمة، على الرغم من أنّ العلاقات الغربية - الروسية لا يمكن اختصارها في موضوع العقوبات.

تمديد العقوبات
عند وصوله إلى مكان عقد القمة، أعلن الرئيس الأميركي، باراك أوباما، أنّ قادة الدول السبع سيناقشون "التصدي للعدوان الروسي في أوكرانيا". وجاء هذا التصريح بمنزلة رفضٍ ضمني لدعوات أوروبية تقول بعدم جدوى تمديد العقوبات المفروضة على روسيا، وهو الموقف الذي عبّر عنه من قبل رئيس الوزراء الإيطالي، ماتيو رينزي، وسياسيون ألمان من ذوي الخلفيات اليسارية. وفعلًا، أقرّ البيان الختامي الصادر عن القمة الإبقاء على العقوبات وتمديدها، لا بل وتشديدها، إن وسّعت روسيا تدخّلها في أوكرانيا. واشترط البيان التزامًا روسيًا كاملًا باتفاق مينسك الذي وقّعته روسيا وأوكرانيا، برعاية ألمانية - فرنسية، في شهر فبراير/شباط الماضي. ونصّ الاتفاق على ضرورة التزام كلٍ من أوكرانيا وقوات الانفصاليين المدعومين من روسيا وقف إطلاق النار وسحب الأسلحة الثقيلة من الخطوط الأمامية للقتال في شرق أوكرانيا. ويتّهم الغرب روسيا وحلفاءَها الانفصاليين بعدم التزام الاتفاق، وباستمرار التوسّع في الشرق على حساب الحكومة الأوكرانية.
وقد أثّرت العقوبات الغربية سلبيًا في الاقتصاد الروسي؛ فبحسب تقارير اقتصادية، وصلت نسبة التضخم في روسيا إلى 15.8% في مايو/أيار الماضي، وخسرت العملة الروسية، الروبل، 11% من قيمتها في مقابل الدولار، في حين انخفض إجمالي الناتج القومي بِـ 4.2% في أبريل/نيسان الماضي، في وقت ارتفعت فيه أسعار المواد الأساسية ارتفاعًا كبيرًا. وقد أشار الرئيس أوباما إلى هذه المعطيات، لتأكيد نجاعة العقوبات الغربية، وضرورة استمرارها على روسيا، قائلًا: "تضرّر الاقتصاد الروسي جدًا. وتراجع الروبل والاستثمار الأجنبي، وارتفع التضخم. وخسر البنك المركزي الروسي أكثر من 150 مليار دولار من احتياطياته. والبنوك والمؤسسات الروسية معزولة عن الأسواق العالمية. وشركات الطاقة الروسية تصارع من أجل استيراد الخدمات والتكنولوجيا اللازمة لمشاريع الطاقة المتقدمة. والشركات الدفاعية الروسية غير قادرة على تأمين تكنولوجيا متقدمة. وروسيا في ركود عميق. ولذلك، فإنّ أفعال روسيا في أوكرانيا تؤذي روسيا وتؤذي الشعب الروسي". وخيّر أوباما الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بين "مواصلة تدمير اقتصاد بلاده وتعميق عزلتها، في سعيه إلى تحقيق رغبة خاطئة لإعادة أمجاد الإمبراطورية السوفياتية"، وإدراك "أنّ عظمة روسيا لا تستند إلى انتهاك سلامة حدود الدول الأخرى وسيادتها".

تعقيدات العلاقة مع روسيا
لم تُحدث العقوبات الغربية مع كلّ ما تركته من آثار تغييرًا يُذكر على أرض الواقع في أوكرانيا. فروسيا ما زالت تدعم القوات الانفصالية، والتي وسّعت سيطرتها في الشرق منذ اتفاق مينسك، ولم تظهر، حتى الآن، إشارات تفيد بأنّ روسيا في وارد التراجع عن ضمّها القرم أو توسيع نفوذها في أوكرانيا. ويبدو أنّ سياسة حافة الهاوية التي يتبعها الرئيس بوتين تؤتي أكلها عمومًا؛ فإذا لم تُحدث العقوبات الاقتصادية التغيير المطلوب في السلوك الروسي، فقد تتحوّل لتصبح عامل ضغط على الغرب الذي يترتب عليه، حينها، أن يبحث في خيارات أخرى، مثل تعزيز قوات حلف الناتو في شرق أوروبا وتسليح الجيش الأوكراني بأسلحة دفاعية. لكن، تخشى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أن تؤدي مثل هذه الخطوات التصعيدية إلى حدوث خطأ في حسابات أحد الأطراف، فيقود إلى مواجهة إقليمية أو دولية واسعة النطاق. وكان الرئيس أوباما قد تجاهل، في المؤتمر الصحفي الذي عقده في ختام القمة، الإجابة عن سؤال عمّا إذا كان يمكن ردع التدخّل الروسي في أوكرانيا، من دون قوات أميركية على الأرض، مكتفيًا بالقول إنّه "كان هناك نقاش بخصوص خطوات إضافية، قد نضطر إليها، إذا استمرت روسيا في عدوانها على أوكرانيا عبر الانفصاليين. تجري هذه النقاشات على مستوى تقني، وليس على المستوى السياسي بعد، وذلك لأنّ الأولوية، الآن، هي لتمديد الاتحاد الأوروبي العقوبات القائمة في اجتماعه المقبل".

وبينما أكّد أوباما والمستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، ضرورة إيجاد حل ديبلوماسي للأزمة، حذّر وزير الخارجية البريطاني، فيليب هاموند، من مخاطر حشر روسيا في زاوية ضيقة. فعندما سُئل عمّا إذا كان يتعين على الولايات المتحدة إعادة نشر صواريخ نووية متوسطة المدى في أوروبا، أجاب أنّ الغرب أمام "وضع دقيق"، وأضاف "علينا إرسال إشارة واضحة إلى روسيا أنّنا لن نسمح لهم بتجاوز خطوطنا الحمراء. وفي الوقت نفسه، علينا أن ندرك أنّ لدى الروس شعور بأنّهم محاصرون، ويتعرضون للهجوم، ونحن لا نريد أن نقوم باستفزازات غير ضرورية". وعلى الجانب الآخر، يستمر بوتين في إرسال إشارات تهدئة، لتفادي أيّ تصعيد عسكري غير محسوب؛ ففي مقابلة له مع الصحيفة الإيطالية، كورييري ديلا سيرا، قال بوتين إنّ روسيا ليست تهديدًا، و"لديها أمور أخرى تسترعي انتباهها"، مضيفًا "إنسان مجنون فقط وفي المنام فقط، بإمكانه أن يتخيل أنّ روسيا ستهاجم فجأةً حلف شمال الأطلسي".

روسيا معضلة غربية
إضافةً إلى انعدام فرص حلٍ عسكري للأزمة مع روسيا، تبدو الولايات المتحدة وشركاؤها الغربيون في حاجة إلى التعاون الروسي في ملفات دولية أخرى؛ فروسيا عضو في مجموعة الـ 5+1 (الولايات المتحدة، وروسيا، وبريطانيا، وفرنسا، والصين، إضافةً إلى ألمانيا) التي تفاوض إيران على ملفّها النووي. ومن المفترض أن تنتهي هذه المفاوضات باتفاق نووي نهائي محتمل آخر شهر يونيو/حزيران الجاري، الأمر الذي لا يمكن أن يتمّ من دون تعاون روسي مباشر. يضاف إلى ذلك أنّ الغرب في حاجة إلى تعاون روسي في الملف السوري، إذ لروسيا تأثير كبير على الرئيس بشار الأسد. وكانت روسيا مَن أقنع الأسد في أغسطس/آب 2013 بالتخلّي عن أسلحته الكيماوية، لتجنّب ضربة عسكرية أميركية. وعلى الرغم من توتّر العلاقات بين الغرب وروسيا، وقرار قمة السبع الأخيرة بتمديد العقوبات على موسكو، كان لافتاً أنّ القمة ناقشت فكرة صفقة محتملة مع روسيا، تقضي بمنح الأسد اللجوء السياسي فيها، جزءًا من سلة حلّ تؤدي إلى إنهاء الصراع الدامي. وتحتاج الولايات المتحدة أيضًا وحلفاؤها، إلى روسيا في موضوع الحرب على "التطرف"، خصوصًا ضد تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في العراق وسورية، فضلًا عن الحاجة إليها في ملف العلاقات الشائكة مع كوريا الشمالية.
تجعل كلّ تلك القضايا العلاقة مع روسيا حاجةً غربية، كما أنّ العلاقة مع أوروبا حاجة روسيّة. الأمر الذي اعترفت به المستشارة الألمانية، ميركل، في ختام القمة، بقولها إنّ الدول السبع الصناعية الكبرى ترغب في العمل "جنبًا إلى جنب" مع روسيا، فهي "لاعب مهمّ"، على الرغم من التوترات المستمرة بسبب أوكرانيا.


خلاصة
على الرغم من محاولات عزل روسيا ومعاقبتها بسبب الأزمة الأوكرانية، تضطرّ الولايات المتحدة، ومعها حلفاؤها الآخرون، إلى فصل مسارات الاشتباك معها؛ فبينما تجري معاقبتها، بسبب تدخّلها في أوكرانيا، تُمَدّ اليد إليها في قضايا أخرى، كإيران وسورية. وعلى الرغم من أنّ أوباما كان وصف روسيا في إحدى المناسبات بأنّها "قوة إقليمية، تهدد بعض جيرانها المباشرين من موقع ضعفٍ لا من موقع قوة"، فالتعقيدات السياسية الدولية فرضت عليه، غير مرة، طلب مساعدتها في ملفات دولية عديدة. وبسبب ذلك التناقض، الناجم من جهة عن الرغبة في تأديب روسيا، والحاجة إلى تعاونها، ستبقى روسيا تمثّل معضلةً حقيقية للولايات المتحدة وعموم الغرب، في الفترة المقبلة، وقد تضطرّ الولايات المتحدة وحلفاؤها الآخرون إلى الإقرار بالمصالح الروسية في أوكرانيا، خصوصًا في شبه جزيرة القرم، بعد أن جرى تحديد حدود هذه المصالح، وضبط وسائل الحفاظ عليها، والتطلّع إلى المستقبل، بدل إعادة بعث حرب باردة جديدة في أوروبا.