أنا وهواك يا "فيسبوك"

أنا وهواك يا "فيسبوك"

13 يونيو 2015
+ الخط -
"تم إغلاق صفحتك من الإدارة بسبب تبليغات قام بها الأعضاء"، بهذه الجملة من إدارة "فيسبوك" تم حجبي عن العالم الافتراضي الفيسبوكي، قبل أيام. وأنا أفتح صفحتي كالعادة، فوجئت بأنني محظورة من الدخول، وأن كل ما يظهر لي منها هو الجملة السابقة. لوهلة شعرت باليتم، وبأنني ملفوظة ومطرودة، وملقى بي إلى الخارج، إلى الفراغ، إلى حيث لا أحد. لوهلة شعرت كم أنا وحيدة بلا عالم "فيسبوك"، وكم ستكون حياتي فارغة. اتصلت بأصدقاء تعرضوا سابقاً للطرد مثلي، واتصلت بأصحاب الخبرة التكنولوجية، واستخدمت "واتس آب" لأخبر الأصدقاء بهذا، إذ اكتشفت فجأة أن علاقتي بالأصدقاء المقربين، أو القريبين بحكم السكن، هي عبر "فيسبوك"، نتواصل، ونتواعد، ونتحادث، ونقوم بكل ما يمكننا فعله بواسطة الهاتف، أو باللقاءات الطبيعية. هكذا، مضى يوماي اللافيسبوكيان، وأنا قلقة، ولا أعرف ماذا سأفعل.

لم أستطع مشاهدة التلفزيون، ولا سماع الموسيقا، ولا قراءة كتاب، ولم يكن لي مزاج للخروج. ما إن أبدأ بفعل شيء، حتى أعود مسرعةً، لتفقد صفحتي، هل عادت أم ما زالت محجوبة عني. في الليل، كنت أصحو من نومي القلق أصلا، لأتفقد الصفحة عبر جهازي الخلوي بجانبي. حالة تشبه حالة الهوس تماماً، الهوس بشيء ما، أو بشخصٍ ما، بحيث يصبح هو محور يومياتك. تذكّرت حالتي، حين كنت أغرم برجل بعيد، كيف أنني كنت أتفقد الهاتف، كل لحظة، لأرى هل اتصل بي، أتفقد بريدي الإلكتروني، لأرى رسائله، أمحو اسمه من الهاتف في لحظات غضبي وأعيده. حالتي مع "فيسبوك" المحجوب عني تشبه، إلى حد كبير، هذه الحالة من حالات الهوس، خارجة عن المنطق، وخارجة عن الاتزان، هي حالة مرضية بامتياز.

في اليوم الثالث، صحوت من نومي، تفقدت في البداية صفحتي، لم أجدها، ثم بدأت محاولات التأقلم مع الحياة اليومية بلا "فيسبوك". نظفت بيتي صباحا، وشربت قهوتي مع سيجارة الصباح، وأنا أستمع إلى صوت فيروز، ثم أحضرت كتاباً، كنت بدأت قراءته منذ مدة ولم أتابع، وأكملت وأنا أستمع إلى موسيقا باخ. بعد الظهر، شاهدت فيلم (عصر البراءة) للساحرين سكورسيزي ودانييل دي لويس. ومساءً، اتصلت بأصدقاء، وذهبنا للسهر في مكان لطيف. وفي الليل، بعد عودتي، تابعت آخر التطورات في سورية، عبر محطات الأخبار، وذهبت إلى النوم.
اكتشفت، في اليوم التالي، أنني نمت بعمق، بلا هواجس، ولا قلق، ولا استيقاظات كوابيس متكررة، وأنني أكثر استرخاء وسلاماً مع نفسي. تذكّرت حياتي قبل هوس "فيسبوك"، كيف كان إيقاعها. بالتأكيد، ثمة ما اختلف في ظرف حياتي اليومي، لكن إيقاع الحياة كان أكثر سلاماً، لا بفعل الدم السوري والموت والخوف الحاصل اليوم فقط، بل بسبب عدم الاعتياد على شيء ما، بحيث يصبح فقدانه بمثابة الكارثة، اكتشفت أن علاقتي بفيسبوك تعودٌ، وتعويض عن فقد العالم الذي كنت أعيشه في سورية، مع أنني الآن يمكنني العيش بالإيقاع السابق نفسه، مع فارق ضرورة متابعة الفضائيات الإخبارية. ولكن، هي حالة الانغماس بالشأن السوري، بحيث أصبحت أتلذذ بالطاقة السلبية التي غالبا ما تصل إلي من حالة العداء المستفحلة بين السوريين في "فيسبوك" في السنتين الأخيرتين. كما لو أنني بذلك أعوّض عن غيابي عن الواقع السوري الحقيقي، إذ تمدّني جرعات العنف اللفظي المكثفة بين سوريي "فيسبوك"، بما يمنع عني تأنيب الضمير عن أماني الجسدي، إذ للكراهية الافتراضية، أحياناً، مفعول الطلقة القاتلة، وللإشاعات والتشويه مفعول القصف، وللتبليغ والحجب مفعول التهجير والتشرد، وللمحبة والتضامن مفعول العيش المشترك. كأنني، بالإدمان على هذا، أرضي ضميري، بحيث لا أشعر أنني من سكان الخارج. سأصحو بعد أيام، كالعادة، على إشعار رسالة فيسبوكية، تعيدني إلى وطني الافتراضي، لكنني أظن أنني سأرفض الإقامة الدائمة. سأكتفي بزيارات متباعدة، فبدون هذا الهوى الفيسبوكي، أنا أكثر سلاماً مع نفسي. 
BF005AFF-4225-4575-9176-194535668DAC
رشا عمران

شاعرة وكاتبة سورية، أصدرت 5 مجموعات شعرية ومجموعة مترجمة إلى اللغة السويدية، وأصدرت أنطولوجيا الشعر السوري من 1980 إلى عام 2008. تكتب مقالات رأي في الصحافة العربية.