ما زال المشروع الوطني ممكناً في العراق

ما زال المشروع الوطني ممكناً في العراق

05 مايو 2015

شعارات من تظاهرة ضد الطائفية في بغداد (19 فبراير/2014/أ.ف.ب)

+ الخط -

يبدو الحديث عن مشروع وطني عراقي في خضم الحالة الطائفية المستشرية في العراق، والمنطقة حالياً، ضرباً من الخيال، أو الترف الفكري الذي لا يبدو أن له نصيباً من الواقعية، خصوصاً وأن واشنطن باتت أقرب إلى الإقرار بعراق متعدد الطوائف، مقسم ومنقسم على نفسه. فاليوم، هناك قرار أميركي يقضي بتسليح السنة والأكراد، والتعامل معهم كدولتين، في محاولة أميركية، قرأها كل على ما يعتقد ويرى، لكنها تبقى خطوة ذات مغزى، ورسالة واضحة بأن الولايات المتحدة تبحث عن آلية جديدة لتشكيل عراق آخر غير الذي ساهمت في تشكيله عام 2003.

قبل أكثر من عقد، ويوم أن دخلت القوات الأميركية بغداد، وشكلت مجلسها للحكم، عمدت إلى تقسيم العراقيين إلى ملل ونحل وطوائف، فكان أعضاؤه الخمسة والعشرون ينقسمون إلى شيعة حصلوا على 13 مقعداً، وسنة حصلوا على 5 مقاعد، وأكراد حصلوا على 5 مقاعد، ومقعدين للأقليات، عندها أدرك العراقيون أن هناك مشروع تقسيم، زُرِعت أولى بذروه في هذه التشكيلة الغريبة لإدارة شؤون البلاد.

لم يرضخ العراقيون لهذا المشروع التقسيمي الذي أقرته إدارة الاحتلال، وبقيت بغداد تعيش ألفتها القديمة، لا فرق بين سني وشيعي أو كردي وتركماني، غير أن هذا الوضع لا يراد له أن يستمر طويلاً، فلاحقاً ستبدأ مرحلة أخرى لدى المجتمع، تتعدى مرحلة اكتشاف الهويات الطائفية والعرقية، وإنما الانحياز والانضواء تحت ألويةٍ، أراد لها المحتل أن تكون مساهمة له في درء خطر المقاومة العراقية التي كان لها فعل موجع بحق المحتل.

ربما يمثل الثاني والعشرون من فبراير/شباط 2006 يوماً مفصلياً في تاريخ العراقيين. يومها فجرت قبة الإمام علي الهادي في سامراء، لتنطلق معها موجة سعار طائفي، غذتها وعملت عليها أحزاب السلطة يومذاك، والتي كانت، في مجملها، أحزاباً شيعية قادمة من إيران، وخاضعة لنفوذها الذي كان يكبر ويتعاظم، كلما أفل نجم الاحتلال الأميركي. لاحقاً أيضاً، وجد العراقيون أنهم يعيشون أتون حرب أهلية، لا تبقي ولا تذر، فارتفع صوت الطائفية، وخفت، أو كاد، صوت ومنطق الوطن الواحد، حتى تقهقر، ولم يعد يسمع إلا همساً، قبل أن تمتد أتون تلك الطائفية البغيضة إلى الإقليم، عقب اندلاع الثورة السورية، وما رافقها من عمليات تجييش طائفي، عمل على تغذيتها النظام السوري وحلفاؤه.

وسط هذا الموج الهادر من الأصوات الطائفية، فإن عملية إعادة ترميم المجتمع العراقي، على الرغم من ذلك، لا تبدو صعبة، وإن الخلاص من موجة القيح المذهبي الذي دمر البلاد والعباد، ما زالت ممكنة، وشواهدنا في ذلك كثيرة، وكثيرة جداً.

ما مورس على الشعب العراقي من عمليات تمزيق لنسيجه المجتمعي كبيرة، وربما تفوق القدرة على تصورها، ولكن في الوقت نفسه، فإن بوادر وبذور محاولات إحياء النزعة الوطنية ما زالت قائمة، ويمكن القول إنها الآن، أكثر من أي وقت مضى، قابلة للحياة، فالعراقيون تعبوا من نغمة الطائفية، وصاروا أكثر ميلاً إلى الهدوء والسلام، مع أنفسهم ومع بعضهم، ولعل متابعة بسيطة لحملات دشنها شباب عراقيون على مواقع التواصل الاجتماعي رفضاً للطائفية، يمكن أن تشير إلى الكثير من هذه الروح الجديدة.

في المقابل، سيكون هناك نفس طائفي قوي، يريد أن تستمر الأمور على ما هي عليه، وتنفثه أحزاب سياسية وقوى مجتمعية ودينية، وأخرى متطرفة، تحمل السلاح لديمومة مشروعها، ومن خلفها طبعاً مصالح إيران التي وجدت في الطائفية سراجها، للتغلغل إلى عتمة منطقة، ظلت عصية عليها عقوداً خلت.

نحن، اليوم، إزاء متغيرات إقليمية كبرى، بدأت مع تولي الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم في العربية السعودية، وما أعقب ذلك من تغييرات وإجراءات دشنها الملك الجديد، بدأت من الرياض وامتدت إلى صنعاء، ووصلت ريحها إلى دمشق وإدلب، وصار ابن الأنبار وبغداد يتنسمها.

كان المتغير الإقليمي فاعلاً في العراق، بل كان الفاعل الأكبر منذ وقت ليس قصيراً، وبالتالي، ليس التعويل على هذا الدور ضرباً من الخيال أو الغرابة، بل هو الواقع الحاصل فعلاً. وبالتالي، سيكون هذا الدور الإقليمي مرحباً جداً بمشروع وطني عراقي، يتجاوز الطائفية، ويعمل على ترسيخ مفهوم العراق الواحد.

يدرك العراقيون اليوم، أكثر من أي وقت مضى، أن لا خلاص لهم إلا بمشروع عابر للطوائف، فلا السنة سوف ينتهون، ولا الشيعة سوف يرحلون إلى إيران، وبالتالي، لا مجال سوى للتعايش السلمي، خصوصاً وأن وشائج الصلات بين العراقيين ما زالت قوية، على الرغم من نهر الدم الذي سال بينهم، ولعل في حالات الزواج المختلط التي اجتاحت الجامعات العراقية، أخيراً، دليلاً وبرهاناً على ذلك.

الطائفية في العراق وفي المنطقة مفتعلة، جاءت بها ظروف معينة، ويمكن أن تذهب بها ظروف أخرى. السؤال الأهم، من الذي سيعمل على استثمار روح التململ التي تجتاح المجتمع العراقي، بحثاً عن هويتها الوطنية التي سعى كثيرون إلى طمسها؟

96648A48-5D02-47EA-B995-281002868FD0
إياد الدليمي
كاتب وصحافي عراقي. حاصل على شهادة الماجستير في الأدب العربي الحديث. له عدة قصص قصيرة منشورة في مجلات أدبية عربية. وهو كاتب مقال أسبوعي في عدة صحف ومواقع عربية. يقول: أكتب لأنني أؤمن بالكتابة. أؤمن بأن طريق التغيير يبدأ بكلمة، وأن السعادة كلمة، وأن الحياة كلمة...