جينيفر لوبيز وبنكيران

جينيفر لوبيز وبنكيران

01 يونيو 2015

جنيفر لوبيز في حفل المغرب (مايو/ 2015/الأناضول)

+ الخط -
تزامن حفل نجمة الاستعراض، جينيفر لوبيز، في مهرجان موازين في المغرب، مع الحملة التي نالت من فيلم نبيل عيوش "الزين اللي فيك" حول قضية بائعات الجنس في مراكش. 
ومنذ ليلة الحفل الصاخب والبالغ الجرأة، الذي صادف ليلة الجمعة الماضية، هجم آلاف المغاربة على مواقع التواصل الاجتماعي، يعبرون عن مواقفهم، ليس من استضافة هذه النجمة المعروفة بأدائها الساخن على منصات العرض، ولكن من سكوت الإسلاميين الموجودين في الحكومة التي يقودها عبدالإله بنكيران عن هذا "العري" الفني، في عرض لوبيز، وهجومهم الساحق على "عري فني" آخر في فيلم نبيل عيوش عن الدعارة في المغرب، انتهى بقرار منع الفيلم من التوزيع في البلاد، صادر عن وزارة الاتصال التي يقودها مصطفى الخلفي، أحد وجوه حزب العدالة والتنمية.
هناك من يقول إن إسلاميي الحكومة في المغرب يتصرفون في واقعة واحدة، مثل واقعة الإباحية والعري، بمستويين مختلفين وسلوكين متناقضين وبازدواجية صعبة على المواءمة والتصديق.
بينما لم يسلم سلوك الحكومة نصف الملتحية، حتى من انتقادات جزء عريض من الإسلاميين، وفي مقدمتهم هذه المرة جماعة العدل والإحسان التي حذرت من مغبة ارتكاب خطأ سياسي بمنع عمل سينمائي، والسكوت على مهرجان فني، كان الورقة الرابحة التي صنع بها حزب بنكيران أمجاده وشعبيته.
اليوم، لم يعد أحد من حزب العدالة والتنمية يهاجم هذا المهرجان الفني، ليس لأن الدولة هي راعيته، وبالتالي لا ضير من دس الرؤوس في الرمال، حتى تمر العاصفة، ولكن لأن هناك ازدواجية تكشف أن الممارسة السياسية لإسلاميي المغرب تحتاج إلى مراجعة سريعة، لأن مآلها الوحيد الذي يبدو مؤجلاً هو الفشل في تدبير أمور الدولة بعقلية رجال الدولة، وإلا فنهاية المشروع هو كابوس النهاية الذي طالما تجنبه بنكيران، في مسار طويل من إظهار حسن النية.
كشفت التجربة السياسية أنه في القضايا التي تمس القيم والأخلاق والفنون والثقافة، ينتهي الإسلاميون إلى ارتكاب تلك الأخطاء الطفولية التي تتوقعها الدولة الليبرالية. فأسهل شرك يمكن أن ينصب في مثل هذه المجالات يؤدي سريعاً إلى استثارة من لا يملكون تصورات عن عالم لم تعد له حدود، ولا يرحم من يحمل الأصوات العالية، أو يتصور أنه وحده من يملك الحقيقة.
من الطبيعي تماماً أن تنهال عاصفة التعليقات على صمت الإسلاميين عن جينيفر لوبيز التي قدمت عرضها في الرباط، وشاهده أكثر 30 مليون مغربي ومغربية على القناة الثانية منقولة في المباشر.
والحقيقة، أنه لم يعد أحد يطالب بمنع المهرجانات الفنية، إلا فئة قليلة ترى في ذلك مساراً واصلاً إلى صناديق الاقتراع، لكنها بقدر ما هي عملية سهلة، فإنها تنطوي على مخاطر كبيرة، ليس أقلها الوقوع في شرَك الموقف السهل المجيش للمشاعر، كما حدث مع "العدالة والتنمية".
فها هو مصطفى الخلفي يخرج عن صمته، مطالباً ليس بمنع المهرجان، ولكن بالتحقيق في مسؤولية البث المباشر للسهرة العمومية للوبيز على الهواء. كما أن أحد صقور الحزب، وهو رئيس الفريق البرلماني للعدالة والتنمية خرج يقول في تصريحات منقولة عنه إن على الخلفي تقديم استقالته.
طبعا، سيطوي هذا الحفل النسيان، وسيتذكر المغاربة أحد شيئين: صمت الحزب الإسلامي ومتعة العرض لفنانة الاستعراض.
أحد رواد القارة الزرقاء كتب مستفهما: ما الفرق بين حفل لوبيز والراقصة في فيلم نبيل عيوش؟ هو لم يفهم مثل كثيرين الفرق، ولا المسافة بين الصمت والكلام وبين الردح في المواقف واللعب على الحبال.
غير أن الجمهور الواسع بدأ يفهم أن مواقع المسؤولية تجعل صاحبها يفقد كثيراَ من الريش في الطريق، وقد ينحني حتى ينبطح، وحينها يكون الاستواء على الأقدام أعسر من الاستواء على الكرسي.
6A0D14DB-D974-44D0-BAC8-67F17323CCBF
حكيم عنكر
كاتب وصحافي مغربي، من أسرة "العربي الجديد". يقول: الكرامة أولاً واخيراً، حين تسير على قدميها في مدننا، سنصبح أحراراً..