تدمر.. هل لها ما بعدها؟

تدمر.. هل لها ما بعدها؟

30 مايو 2015

سورية تنتظر الحرية

+ الخط -
تقع سورية أكثر فأكثر بين ناري إيران وداعش، إذ بينما ينتقل الأخير إلى هجوم استراتيجي غير مسبوق، يغطي أجزاء واسعة من العراق وسورية، وتكذّب نجاحاته اليومية ما قاله جنرالات أميركيون متسرعون عن انتقال التنظيم إلى الدفاع، وافتقاره إلى القدرات الضرورية لشن هجمات جديدة، سواء في بلاد ما بين النهرين أو سورية، تكثف إيران دعمها النظام الأسدي، مع تحول نوعي أخذ يطاوله، يضع في حسبانه انهيار حليفها الدمشقي، ويرغمها على إيجاد ردود سياسية تستبق فشلها العسكري، يرجح أن تكون من طبيعة غير عادية، كما تقول اجتهادات عديدة. 
لم تكسر هزيمة تكريت ما صار الأميركيون أنفسهم يسمونه "تنظيم الدولة"، بل إنها تبدو وكأنها دفعته إلى تكوير قواه وتجميعها، لشن هجمات حققت إنجازات ميدانية، تتخطى كل ما كان يعتقد أن في استطاعته تحقيقه، بما في ذلك تحدي وإحراج العسكرتارية الأميركية التي
استهانت به، ووضعت خططا لمواجهته، تقوم على بذل حد أدنى من الجهدين، الأميركي والعراقي، وها هي تتلقى صفعات متتالية وهزائم متلاحقة في الرمادي، وتواجه هجمات كبيرة حتى على المنطقة الكردية، في حين وصل جيش داعش إلى حزام بغداد، واقترب من قاعدة الحبانية التي توصف بالاستراتيجية، بالتزامن مع اقتحام تدمر، وانفتاح طرق حمص ودمشق أمامه، وتقدمه إلى الشيخ نجار وأبواب اللواء 80 في حلب، في نقلات استراتيجية وجريئة بدلت الأوضاع القائمة، وبدت وكأنها تقلبها رأساً على عقب، خصوصاً بعد وصول قواته إلى الحدود الأردنية، وما يعنيه ذلك من احتمالات مخيفة، يربطها المراقبون بما حصل داعش" عليه من كميات سلاح كبيرة في البلدين، بعد فرار جيشيهما من المعركة في الرمادي، وفي محيط قاعدة الربانية الجوية، وتسليم جيش الأسد تدمر من دون قتال إلى المهاجمين الذين اجتازوا مئات الكيلومترات في أرض مكشوفة، من دون أن يتعرضوا لأي ضربات جوية، سواء من التحالف أو من طيران النظام الذي لم يوقف غاراته على سكان حلب ومدارس الأطفال فيها، وقد جاءتنا أخبار من مقاتلين في جيش النظام، تتحدث عن أوامر صدرت إليهم بالتخلي عن أسلحتهم، والصعود إلى الشاحنات التي كانت قد أعدت مسبقا لإجلائهم عن منطقة القتال، بينما فرغ (سرق) متحف تدمر قبل عشرين يوماً من وصول داعش إليها، عندما كانت قواته على بعد مئات الكيلومترات منها، وأخلى كذلك معظم نزلاء سجنها الرهيب الذين نقلهم إلى مكان مجهول، وسلم من ترك المدينة الاستراتيجية لهم مستودعات فيها ستمائة ألف لتر وقود، ومطار عسكري كبير لم يشارك في المعارك، ومستودعات سلاح وذخيرة تمكّن التنظيم من شن هجماته بنجاح، في أي وقت واتجاه يريده، ولم يقاتلهم حين تقدموا في الأيام التالية نحو حمص ومعبر التنف الحدودي مع العراق، مع أنهم اجتازوا عشرات الكيلومترات من الأرض المكشوفة نحوهما، وفي رابعة النهار، بينما كانت طائراته تقصف من بقي من سكان تدمر فيها، وتشن عليهم ثلاث عشرة غارة خلال ساعات قليلة.

ومع أن دلائل كثيرة كانت تشير إلى قرب وقوع هذا التحول الكبير على الأرض، منها ما شاع عن أوساط قريبة من النظام، أكدت أنه يفكر بتسليم دمشق إلى داعش، ليعاقب مسلمي سورية على ثورتهم ضده، والغرب على تخليه عنه، فإن مما يلفت النظر أن أميركا وتحالفها لم يقوما بأي رد فعل على ما كان يجري تحت أعينهما، ولم يبذلا أي جهد، عسكريا كان أو غير عسكري، لوقف زحف التنظيم إلى تدمر، على الرغم من منطوياته المباشرة الخطيرة على بلد كالأردن، والبعيدة المدى على العالم بأسره الذي سيواجه، من الآن، اٍرهابا يمسك بدولتين، وربما يحكم إحداهما، إلا إذا كانت التطورات تذهب في اتجاه حرب سنية/ شيعية عامة، لا تبقي ولا تذر، من مستلزماتها انتصار داعش، التنظيم المثالي لخوضها.
مهما كانت الاحتمالات، وجميعها مقلقة، فإن من الثابت أن التطورات الأخيرة تهدد بتمزيق سورية التي يمكن لنظامها أن ينسحب، من الآن فصاعداً إلى المنطقة الساحلية، آخذا معه إيران، على أن يبقى شمال سورية للـ"ثورة" وشرقها لداعش. لا أعتقد أن خطط النظام التي تراهن على داعش ستنجح، لأسباب كثيرة تتعلق بالمواقف العربية والإقليمية وبعض الدولية، وخصوصاً منها الأوروبية، وكذلك بموقف إسرائيل، وحتى حزب ﷲ، فهل يقطع العالم العربي الشك باليقين، ويمد الجيش الحر، أخيراً، بما يحتاج إليه من عتاد ومال، كي يسقط النظام ويواجه داعش، ويخرجه من شمال وشرق سورية، وبالتالي، من معادلات الصراع السوري، واحتمالاته الكابوسية التي تترتب على دوره فيه وامتداده الجسدي والمعنوي إلى مختلف مناطقه، بالوتيرة العاصفة التي نعيشها هذه الأيام، بالتواطؤ مع النظام الأسدي؟
E4AA2ECF-ADA6-4461-AF81-5FD68ED274E9
ميشيل كيلو

كاتب سوري، مواليد 1940، ترأس مركز حريات للدفاع عن حرية الرأي والتعبير في سورية، تعرض للاعتقال مرات، ترجم كتباً في الفكر السياسي، عضو بارز في الائتلاف الوطني السوري المعارض.