الطاء والتاء وملكة جمال بينهما

الطاء والتاء وملكة جمال بينهما

12 مايو 2015
+ الخط -
نشر الكاتب السياسي والناشط السوري المعارض، ياسين الحاج صالح، ستاتوس على صفحته في "فيسبوك"، تعليقاً على انتخاب ملكة جمال سورية، وتصريحاتها المعجبة بالسيسي والعابدة لبشار الأسد. وكان يفترض أن يكون تعليقاً ساخراً، خفيفاً، كمن يلقي نكتة تنتهي بضحكة، أو بلا ضحكة. "مع مين تنافست هالمخلوقة حتى طلعت ملكة جمالنا؟ مع المرحوم ياسر عرفات"؟ تساءل صالح، فانهالت عليه الردود بين شتم وملامة ونصح بتقديم الاعتذار، وكلها تُجمع على رفض المساس بـ "رمز" كبير كياسر عرفات، على الرغم من أن صاحب النكتة أوضح، أكثر من مرة، أن عرفات لم يكن المقصود بمزحته تلك. 

البديهي والمؤكد أن الهدف مما كتبه صالح، ممازحاً، هو التشكيك بالمعايير الجمالية التي أدت إلى انتخاب ملكة الجمال تلك، وبشرعيتها، وليس مهاجمة الزعيم الفلسطيني الراحل، وإن كان بعضهم قد اعتبر أن مجرد ذكره في هذا السياق هو بمثابة التعرّض له، والتجريح به.

على صعيد آخر، أعادت إليسا، المغنية اللبنانية المعروفة، إنشاد إرجوزة "موطني موطني"، فأخطأت في لفظ حرف الطاء، فجاء شبيهاً بالتاء، وقد بدا واضحاً أن السخرية والهجاء والهجوم الهائل الذي تعرّضت له، (بغض النظر عن اتهامها بالسرقة وعدم امتلاك حق استعادة النشيد، وهو ليس موضوعنا) يحوي ما يعدو ارتكاب خطأ لفظي، ليُظهر خلافاً وأحقاداً كامنة لم يجر تصفيتها بعد، أو على الأقل مواجهتها. فالذين أخذوا على النجمة اللبنانية تجرّؤها على المساس بـنشيدٍ، هو "رمز" وطني من حجم "موطني موطني"، كانوا ولا زالوا يتّهمون، علناً أو ضمناً، مجموعة من اللبنانيين بلا وطنيتهم، وولائهم للغرب، ولا عروبتهم، طالما أنهم ليسوا من العرب الأقحاح الذين يجيدون لفظ الطاء مفخّمة، كما يليق بأحرف لغة الضاد أن تُلفظ. ولو أن إليسا مغنّ وليست مغنية، لكانت تُهمته الخنوثة والميوعة ونقص فادح في الذكورة والفحولة، كما كان بعضهم يتهم بعض اللبنانيين، إبّان الحرب الأهلية، معتبرين أن "فوفو" و"نونو" وأمثالهما، لم يُصنعوا للقتال، وسيولّون هاربين أمام أول عيار ناريّ.

وعلى الرغم من عدم وجود أي صلة بين الأمرين، إلا أن ردود الفعل بدت لي موحّدة هنا وهناك. فالإفلاس هو نفسه، كما هو مستوى الردح والتهويل والتحقير والتسفيه، وتوجيه التهم جزافاً وإعطاء علامات في الوطنية وفي الالتزام وفي احترام المقدسات، أو في نقيض هذا كله. ولا بد لمن يراقب من بعيد، من دون أن يكون معنياً بشكل مباشر، وهي حالي، أن يتساءل ما ترى كان هؤلاء قادرين أن يفعلوا لو كان بيدهم سلطة ما. أما كانوا سيسوقون "المتهمين" ومن لف لفيفهما إلى محاكمات أشبه بتلك التي كانت محاكم التفتيش، في القرون الوسطى، تقيمها للمتهمين بالتجديف والهرطقة والزندقة، والتي كانت، في معظم الأحيان، تنتهي بإحراقهم في الساحات العامة؟

في روايته "المزحة"، يروي الكاتب التشيكي ميلان كونديرا، المصير المأسوي الذي سيعرفه بطله لودفيك، الطالب والناشط في الحزب الشيوعي، بعد أن يُطرد من الحزب ومن الجامعة، ويجنّد إجبارياً في الجيش، حيث يُمنع من حمل السلاح، وتناط به مهام محقّرة وشاقة. ولم كل هذا؟ لأنه تجرأ فكتب، في ما يشبه المزاح، بطاقة بريدية إلى طالبةٍ، كان يغازلها، قال فيها: "التفاؤل هو أفيون الجنس البشري...". تقدم الطالبة البطاقة إلى إدارة الجامعة، فيتم استدعاؤه ومحاكمته، ويبدأ مسلسل عذاباته الطويل!

"لا تتسامح أية حركة كبيرة تريد تحويل العالم، مع التهكم أو السخرية، لأنهما صدأ يأكل كل شيء"، هذا ما كتبه ناشر الرواية، في إشارة منه إلى نظام شمولي، كالنظام الاشتراكي التشيكي آنذاك. لكن، من قال إن الأنظمة هي وحدها الشمولية، العقليات أيضاً، وما أكثرها اليوم في مجتمعاتنا، تنبت وتتنامى وتتزايد، كالفطر السام.

دلالات

نجوى بركات
نجوى بركات
كاتبة وروائية لبنانية ومؤسسة محترف "كيف تكتب رواية"