الربيع القومي وتربص نظام السيسي

الربيع القومي وتربص نظام السيسي

05 ابريل 2015
+ الخط -

حقّقت عملية "عاصفة الحزم" ارتياحاً عاماً في أوساط الرأي العام العربي، وخصوصاً منه الخليجي والمشرقي، وأضفت على الواقع العربي مناخا يكاد يشبه مناخ الأمل، عشية انطلاق ثورات الربيع العربي، بعد سنوات عديدة من الانكسار والتراجع أمام وحشية إيران في الإقليم، وبعد ظهور الثورات المضادة للربيع العربي، وعملها على اجتثاث كل مظاهر الربيع ووأدها، وهو التيار الذي دعمته إيران بقوة، وصار نظام عبد الفتاح السيسي في مصر أحد ركائزه في المنطقة.

تشبه عاصفة الحزم هبوب نسائم ربيع قومي، يطل على المنطقة العربية، لكنه ينتظر أن يُصنع له سياق حقيقي ومرتكزات تمكنه من إتمام مساره، ولا يتحول إلى مجرد هبّة وقتية، تكون حصائد ثمارها المرّة أكبر من حصائلها الإستراتيجية في مصلحة الأمن القومي، الأمر الذي يستدعي استنفاراً حقيقياً، لإدارة هذه المرحلة الحساسة وصناعة غرف عمليات موحدة على أكثر من جبهة، عسكرياً ودبلوماسياً.

في الواقع، يجب الاعتراف بأن ملامح هذا الربيع ونذره قد تشكلت بدرجة كبيرة في الخليج العربي، بعد أن كان المشرق، الشام ومصر، صانعي موجات الربيع القومي في بداية القرن العشرين ومنتصفه. صحيح أن ثورات المشرق العربي وتداعياتها تقف، بدرجة كبيرة، وراء نشوء هذه التحولات، لكن ذلك لم يكن ممكناً من دون تلاقحها مع توجه خليجي بصبغة قومية جديدة، فقد شكلت التغيرات التي حصلت في السعودية وقطر في مراكز صناعة القرار أحد أهم المحفزات لهذا الأمر، والتي كان من نتيجتها زيادة تأثير الجيل الشاب في البلدين في صناعة القرار، واتخاذه مواقف أقرب إلى مواقف جيل الثورات العربية، وخصوصاً في ما خصّ الخلل الواضح في ميزان القوى الإقليمي، ورفض حالة الاستهتار بالعرب، فكان القرار الجريء بالاشتباك مع التطورات الجارية في الإقليم والترتيبات المراد موضعتها، ومحاولة التصدي لها، وعدم تركها تتشكل كسياق طبيعي، وهو موقف يصب، في نهاية الأمر، في مصلحة أهداف الثورات العربية، في سورية واليمن والعراق.

غير أن هذا التطور يواجهه نظام السيسي والنخبة المصرية المتنفذة، بمحاولات فرملته، وإبعاده عن أهدافه، في محاولة لاستغلال مكانة مصر وموقعها الإستراتيجي والحاجة العربية لها في هذه المرحلة. صحيح أن نظام السيسي أعلن موافقته على المشاركة في عاصفة الحزم، لكنه سلّط أبواقه الإعلامية للنيل من هذا التوجه العربي الجديد، ليحرج التوجهات الجديدة ويفقدها زخمها وفاعليتها، ويخلق رأياً عاماً معارضاً وقريباً من الثورات المضادة، فقد ظهر بعض إعلام السيسي متوتراً أكثر من إعلام إيران نفسها؟

ولكن، كيف والسيسي صاحب شعار "مسافة السكة" الشهير بخصوص الأمن الخليجي؟ تفسير ذلك أن السيسي كان يراهن على استحالة وجود ظروف تستدعي تطبيق شعاره، ليس لأن استراتيجية إيران التوسعية لن تشمل الخليج، بل لاعتقاده أن تيار الإذعان والقبول بالأمر الواقع هو الذي سينتصر، ويزداد انتشاراً في الإقليم العربي، ويجد له تكييفاً معيناً مع الهيمنة الإيرانية. وبذلك، يتم استيعاب ثورة اليمن، ويعاد تأهيل بشار الأسد. وهكذا، تنتفي الحاجة لقطارات دعمه، طالما انتفى وجود السكة أصلا. بالإضافة إلى مراهنته على الانقسام داخل المنظومة الخليجية وذهابها، تالياً، إلى قبول أي وضع إقليمي، يحمي وضع كل نظام فيها على حدة.

لا شك أن دوائر صنع التقديرات المصرية فوجئت بالتطور الخليجي، وما يثبت هذا الأمر أن محمد حسنين هيكل الذي يشكل مدرسة رديفة لصناعة القرار فوجئ، واضطر إلى إلغاء نشر توقعاته التي كانت تسير بإنسيابية وسلاسة نحو توقع استكمال دائرة السيطرة الإيرانية، وخضوع الخليج بشكل كلي لها. لا يعني هذا التفسير استناده إلى نظرية المؤامرة، بقدر ما هو قراءة لوظيفة النظام المصري وموقعه، بوصفه القائد الفعلي للثورات المضادة للربيع العربي، ويتكفل بإزالة آثاره في أكثر من مكان، وهو بذلك يقع على خط التصادم مع السياسة الخليجية التي بدأت تتضرر فعلياً من الانقلاب الذي حصل على ثورات الربيع العربي.

واضح أنه كانت هناك نية لدى النخبة المصرية الحاكمة بتوجيه الفعالية العربية باتجاه تطبيق تصورات هذه النخبة، عبر دعم مشروعات تفيد النخبة وحماية أمنها، وتتطابق مع تصوراتها الأمنية التي تحصر مصادر الأخطار القومية الحقيقية بثلاث ساحات: سيناء وليبيا وسورية، وتحاول تدعيم رؤيتها بالتشكيك في جدوى الصراع مع إيران، عبر المحاججة بأنه نمط من الصراع الطائفي الذي تترفع مصر عن الانخراط فيه، وكأن العرب من بدأوا الهجوم على إيران، ويفاخرون، ليل نهار، باحتواء مراكزها وإخضاعها، وكأن نخبة الحكم المصرية تريد من إيران أن تعلن، أولاً، أنها تشن حرباً طائفية صريحة، وثانياً أن لها أطماعاً سياسية في المنطقة. وبمقتضى ذلك، يكون مشروعا لمصر مواجهتها!

ليس لنظام السيسي منّة في مشاركته الرمزية بعاصفة الحزم. الوضع المنطقي أن تكون مصر صاحبة الدعوة إلى هذا التحرك، دفاعاً عن أحد أهم عناصر أمنها القومي، مضيق باب المندب، بل تنقذ الحملة العربية مصر من أحد مأزقين، وضعها فيهما نظام السيسي. الأول، التهاون في حماية قناة السويس. والثاني، ما ستدفع ثمنه الأجيال العربية والمصرية المقبلة حروباً ودماء وعطشا جراء سد النهضة الإثيوبي الذي تكشف طريقة التفاوض حوله حجم الأخطار التي يرتبها نظام السيسي على الأمن القومي في المدى البعيد. ثبت بما لا يدع مجالا للشك أن سبب نكبات الأمن القومي التي تعاني منها الأجيال العربية تقديرات خاطئة ورؤى قصيرة المدى، لنخب فضّلت أمنها الذاتي على المصالح القومية بعيدة المدى. لذا، فإن الواجب يستلزم ليس عزل تأثير هؤلاء، بل والحجر على سلوكهم.

5E9985E5-435D-4BA4-BDDE-77DB47580149
غازي دحمان

مواليد 1965 درعا. كتب في عدة صحف عربية. نشر دراسات في مجلة شؤون عربية، وله كتابان: القدس في القرارات الدولية، و"العلاقات العربية – الإفريقية".