عن علاقة ضباط صدام بداعش

عن علاقة ضباط صدام بداعش

28 ابريل 2015

صورة مدمرة لصدام حسين بعد احتلال العراق (11نوفمبر/2003/أ.ف.ب)

+ الخط -

اجتهدت الصحافة الغربية، في الأسبوعين المنصرمين، في تسليط الضوء على العلاقة بين ضباط الجيش العراقي السابق وتنظيم الدولة الاسلامية داعش، وراحت تطيل التحليل والتركيز على تلك العلاقة، حتى يخيل للمتابع أن داعش أحد الاجنحة المسلحة للدولة العميقة التي أقامها حزب البعث العراقي. وليست هذه المقالة للدفاع أو التبرير، بل تحاول إلقاء الضوء على حقائق، ربما تجاهلها الاعلام الغربي عن قصد أو من غير قصد، فقد كنا شهوداً على مراحل تاريخية مهمة في تاريخ العراق، تعيننا، إلى حد كبير، في فهم ما آلت اليه الأمور بطريقة أقرب إلى الواقع، بعيداً عن التضليل أو التهويل.

ربما لا يعرف متابعون كثيرون أن العراق، وفي أعقاب غزو الكويت، حصلت فيه ثورة إسلامية صامتة، كادت تطيح بالنظام نفسه، لولا أنه تدارك الأمر، تارة بالقبضة الأمنية الحديد وأخرى بمجاراة تلك الثورة الإسلامية، ومحاولة تسخيرها لخدمته وخدمة وجوده.
,كما في كل غزو، تعرضت الكويت الشقيقة إلى النهب، ومن بين ما نهب ونقل إلى العراق، كتب، وتلك قصة كان لها أثر كبير في حدوث النقلة داخل المجتمع العراقي، فلقد تبدل الحال من مجتمع علماني، أو مسلم باعتدال في أحسن الأحوال، إلى مجتمع متدين، يغلب على بعض فئاته التدين. لم تعد المساجد مكاناً لكبار السن، يقضون فيها ما تبقى لهم من حياتهم، بل صارت تعج بشباب متحمس وجد في الكتب التي دخلت العراق في غفلة من عين الرقيب الحكومي زاده الروحي الذي كان ممنوعا عنه قبل ذلك، وهناك قصص عديدة عن قرى بأكملها في بغداد ومحيطها ومحافظات عراقية أخرى تحولت إلى الفكر السلفي، ونزعت عنها كل فكر آخر، حتى وصل ببعضها إلى أنها كسرت أجهزة التلفاز، لأنه حرام، وقس على ذلك. ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد، بل إن نسبة كبيرة من شيعة بغداد وبعض قرى شيعية في جنوب العراق أعلنت تسننها، تاركة مذهب الآباء والأجداد، ولاحقاً سيدفع هؤلاء الأبرياء الثمن، قتلا وتهجيراً، وملاحقة من الوافدين الجدد ممن جاء بهم المحتل الأميركي.

دفعت التغييرات التي طرأت على المجتمع العراقي برأس الهرم إلى محاولة تدارك الأمر، قبل أن يخرج عن نطاق سيطرته، خصوصا وأنه كان خارجاً من حرب خاسرة، كاد أن يفقد بها سلطته، فكان أن بدأ بما عرف لاحقاً بالحملة الإيمانية عام 1996، وتحول إلى راع للصحوة الإسلامية، أمر سيكون له لاحقاً استحقاقات يجب عليه أن يقوم بها، فكان أن أنشأت مساجد خاصة بكل وحدة عسكرية، وعين لها إمام للصلاة، يتم اختياره غالباً من خريجي الكليات الإسلامية، ولم يعد غريباً أن يقف الجندي المكلف كتفا بكتف مع آمره في أثناء الصلاة، وهو أمر ما كان له أن يحدث قبل ظهور الصحوة الإسلامية في العراق.

ضباط الجيش العراقي، وأغلبهم من عوائل ملتزمة دينيا، وبينهم عدد كبير من الموصل المعروفة بتدينها، وجدوا في الأمر فرصة، فخرجوا من نطاق بعثيتهم التي فرضت عليهم فرضاً، فكل عراقي بعثي، وإن لم ينتم، كما قال صدام حسين مرة، وبدأت تحولات فكرية كبيرة في حياة أولئك الضباط، فصاروا أقرب إلى التيار الإسلامي، فكراً وسلوكاً، وهنا يجد بعضهم أن هذه النزعة في التدين وجدت أيضا في صدام حسين نفسه.

لاحقاً، سينهار الجيش، ليس بفعل حرب الاحتلال والغزو عام 2003، وإنما أيضا بفعل قرار بول بريمر حل بموجبه الجيش العراقي، ليجد أكثر من نصف مليون منتسب أنفسهم خارج منظومة المؤسسة التي عاشوا فيها شطر حياتهم الأكبر، بعضهم رضخ لما آلت إليه الأمور، وبعضهم الآخر رفض الواقع، فانخرط في كتائب المقاومة العراقية. وعندما بدأت بعد ذلك فصائل المقاومة العراقية تتشكل، كانت الإسلامية صفة مشتركة لها جميعا، وهو أمر له خلفياته التي ذكرناها، فالضباط الذين رفضوا الاحتلال، وأوامر بريمر حل جيشهم، شكلوا نواة مقاومة أولى، كانوا هم فيها العقول المخططة، بينما كانت الأيادي المنفذة لشباب لم ينخرط بعضهم في صفوف الجيش السابق مطلقاً، وإنما دفعتهم للمقامة نفوس رفضت الظلم والاحتلال.

تمتد سنوات المقاومة بعد ذلك، ويعتقل بعض نشطائها على يد القوات الأميركية، وهناك في سجون الاحتلال، التقت مشاريع كثيرة منددة بالاحتلال ومآلاته، غير أنه لم يكن بينها مشروع يتحدث عن عودة النظام السابق، فأغلب الذين كانوا يؤمنون بهذا المشروع تركوا الساحة، أو انسحبوا سريعا. وعندما بدأت داعش تتشكل، لم تكن منبتة، فتنظيم القاعدة في بلاد الرافدين يعد الأب الشرعي لها، وهو تنظيم لم يعرف عنه أنه مد يده لحزب البعث العراقي المنحل، او أي من أركانه، بل كان يعتبره كافراً ولا يجب التعامل معه. ولاحقاً، تحولت القاعدة إلى دولة العراق الإسلامية، قبل أن تمد ذراعها إلى الشام، عقب اندلاع ثورته.

نتحدث اليوم عن 14 عاماً من عمر الغزو الأميركي للعراق، وعلى فرض أن ضباط الجيش العراقي السابق كانوا أحياء كلهم، فإن أغلبهم عقب هذا التاريخ سيكون قد بلغ من الكبر عتياً، ولم يعد قادراً على القيادة والتخطيط. وتفيد قراءة للأسماء المعلنة من قيادات تنظيم داعش بأنها أسماء لأشخاص، بينهم من اعتقل على يد مخابرات النظام العراقي السابق، وليس بينها أي اسم يمكن الاشارة إليه على أنه ضابط سابق، حتى حجي بكر الذي أوردت مجلة دير شبيغل الألمانية قصته، فإن من يدقق في ثناياها يدرك أنها قصة أعدت على عجل، فالعراق لم يكن يعرف سابقاً مخابرات جوية، كالتي أشارت إليها المجلة على أن حجي بكر كان يعمل فيها.

96648A48-5D02-47EA-B995-281002868FD0
إياد الدليمي
كاتب وصحافي عراقي. حاصل على شهادة الماجستير في الأدب العربي الحديث. له عدة قصص قصيرة منشورة في مجلات أدبية عربية. وهو كاتب مقال أسبوعي في عدة صحف ومواقع عربية. يقول: أكتب لأنني أؤمن بالكتابة. أؤمن بأن طريق التغيير يبدأ بكلمة، وأن السعادة كلمة، وأن الحياة كلمة...