أسئلة العرب العقيمة

أسئلة العرب العقيمة

20 ابريل 2015

ما زال العرب يتساءلون عن غيبة المهدي المنتظر (Getty)

+ الخط -

حتى متى سيظل العرب يلوكون الأسئلة نفسها، ويبهمون إذا هم أرادوا البيان؟ حتى متى سيبقى اللسان العربي يستعيد أسئلة مكرورة، من قبيل ما الفرق بين العرب العاربة والعرب المستعربة؟ وأيهما أكثر عروبة، أهل المشرق أم أهل المغرب؟ وحتى متى يسّاءل العربي في عليّ وأبي بكر، أيهما أولى بخلافة النبي، وأسبق في الصحبة؟ وما الفائدة من استمرار التنازع في هذا الصحابي، أو ذاك التابعي، والقول بتقديمه، أو تأخيره، أو تجريحه، أو الارتفاع به عن النقد، والحال أنه عاش عصره، وأدى دوره، ومن حقنا أن نأخذ عنه، أو أن نتجاوزه، ونسطّر لنا في الحياة درباً، كما سطّر السابقون لأنفسهم في الزمان والمكان والتاريخ دروباً...؟ حتى متى نمارس الوصاية على الموتى، وننطق بدلاً عنهم، ونحاكمهم بحق، أو بغير حق، فنغيب في الماضي ونتلبسه، وننسى الحاضر من حيث ندري، ومن حيث لا ندري؟ ما زال العربي يسأل العربي في منعطف الألفية الثالثة: هل أنت سني أم شيعي أم إباضي، أم أنت بهائي؟ وهل أنت رجعي أم تقدمي؟ وهل أنت حداثي أم ظلامي؟ وهل أنت من أصول بربرية أم إفرنجية أم موريسكية أم بابلية أم سومرية أم فرعونية أم أنت عربي قحّ؟ وهل أنت مسيحي أم مسلم؟

ما زالوا يتملون وجهك، ويفحصون لسانك، ويفتشون في سيرتك، وفي هويتك، وفي مأكلك، وفي مشربك، وفي ملبسك، ويسألونك أسئلة قديمة، تفرق ولا تؤلف، وتهدر الوقت ولا تنفع... يسألونك أسئلةً تزيد في تشتيت العربي وتهميشه، ولا يسألونك، ولا يسألون أنفسهم: هل أنت مواطن؟ وهل هم مواطنون؟ يغيب سؤال المواطنة في استفساراتهم، ويرتهن السؤال عندهم في أتون الطائفية، وأغلال التحزب، وإسار التعصب المقيت للأيديولوجية، أو الشيخ، أو الزعيم، أو القبيلة....

ما زال العرب يتساءلون عن غيبة المهدي المنتظر، وعن ميعاد ظهور المسيح الدجال، وعن جدوى دخول المكان باليمنى أم اليسرى، وما زالوا يتدبرون شطحات الحلاج وابن الفارض، ويتساءلون عن حكم صوت المرأة؟ وهل من حقها السفر أم لا؟ وهل من حقها العمل أم لا؟ وهل من حقها الكلام أم لا؟ وما زال العرب يتساءلون عن حكم قتل بعوضة في المسجد، ولا يولون اهتماما لمقتل آلاف مساجين الرأي في دهاليز الداخلية، ولمصرع المحتجين المسالمين في ساحات المواجهة مع العسكر. ما زال العرب يتحسّرون على رحيل زعيم يقدسونه، ويتساءلون لماذا رحل؟ أو لماذا عُزل؟ أو لماذا قضى نحبه؟ ويفتشون عن زعيم آخر يصنعونه بخوفهم، ومدحهم، وخضوعهم، فيبلغون به درجة المتعالي، ويطلقون يده في الحجر والبشر، ويجعلون البلد مزرعته. وبعد ذلك، يتساءلون: لماذا أصبح فخامته مستبداً؟ ولماذا تحول حضوره الملائكي كابوسا؟ ونسي العرب أن الدول العظيمة لا يصنعها الزعيم/الفرد، بل يصنعها كدح جموع المواطنين، وبذل المعلمين وجهد المفكرين وسعي الفلاحين والحرفيين وإبداع الفنانين، فلا فضل لزعيم على قوم، بل الفضل للشعب الكادح الذي يناضل، بكل شرائحه وطبقاته، من أجل أن تكون الدولة، ويكون الفعل في التاريخ. للأسف، ما زال العرب يبحثون عن حجاج جديد، ولم يتساءلوا لماذا بترت يد ابن المقفع؟ ولماذا حرقت كتب ابن رشد؟ ولماذا خُطف عقل المعتزلة؟ متى نطرح أسئلة بديلة عن سؤال شكيب أرسلان القديم: لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم؟ متى تطرح، في السياق العربي، أسئلة أخرى من قبيل: كيف نكون الآن وهنا؟ كيف نترجم أنفسنا وأفكارنا، وإبداعنا وروحنا العربية إلى العالم؟ متى يكف الأثرياء عندنا عن التنافس على شراء قارورة عطر باريسية، أو ساعة سويسرية بآلاف الدولارات، وينتبهون إلى معاناة طفلٍ أضناه الجوع وأدماه البرد في المخيمات العربية؟ كيف ننتمي إلى مجتمع المعرفة؟ كيف نساهم في عصر السماء المفتوحة؟ كيف ننخرط في المجتمع الشبكي المعولم؟ متى نقوم بتخضير الصحراء؟ ومتى نبني في البحر وتحت البحر؟ وكيف نضع حداً لترييف المدن؟ كيف نقضي على الفقر، وعلى عمالة الأطفال؟ وكيف نحمي الأجيال الصاعدة من سطوة التطرف؟ كيف نؤسس لثقافة التنوير؟ كيف نقدم قراءة تجديدية في النصوص المقدسة؟ متى تنخرط جامعاتنا في التصنيفات العالمية للجامعات المرموقة؟ متى نتجاوز أسئلتنا القديمة، وننطلق نحو الفعل والبناء؟ باختصار، متى وكيف بالإمكان أن ننتمي إلى العالم على طريقتنا العربية الخلاقة؟

الأسئلة الجديدة كثيرة، وهي مشاريع تأسيس، وتحديث، وتفكير، وتنوير. وهي، بالتأكيد، أهم بكثير من أسئلتنا القديمة العقيمة.

511AC165-C038-4A2F-8C46-0930BBB64EBE
أنور الجمعاوي

أستاذ وباحث جامعي تونسي، فاز بالجائزة العربيّة للعلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة لتشجيع البحث العلمي (فئة الشباب) من المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. له عدة أبحاث وكتب.