رداً على بشير البكر عن "تطهير كردي"

رداً على بشير البكر عن "تطهير كردي"

15 ابريل 2015

تشييع متظاهر قتل برصاص النظام في القامشلي (12ديسمبر/2012/Getty)

+ الخط -

نشر نائب رئيس تحرير "العربي الجديد"، الكاتب والشاعر السوري بشير البكر، مقالاً بعنوان "تطهير كردي في الحسكة" في الصحيفة عدد يوم 10 إبريل/نيسان الجاري. وتالياً، نقاط اختلاف معه، لفتح النقاش بجديّة وعمق حول الموضوع الكردي، مع التأكيد على احترام الكاتب وتقديره.

أوّلاً، يتحدّث المقال عن رغبة الأكراد في النسب القسري لأسماء تاريخيَّة لمدن في الشمال السوري إلى الهويّة والثقافة والوجود القومي الكردي، كمدن القامشلي وعين العرب- كوباني ورأس العين، وهذا صحيح. هنالك مبالغة كرديّة كبيرة واختلاقات تاريخيّة مزعومة. أسماء هذه المدن الثلاث، مثلاً، ليس لها علاقة بالوجود القومي الكردي، فسكان القامشلي التاريخيّون هم السريان، ورأس العين تاريخيّاً اسمها رأس العين. ولكن، يغفل كاتب المقال عشرات القرى الكردية التي أخضعها "البعث" السوري إلى سياسة تعريب ممنهجة، فحُوِّلت أسماؤها الأصلية، أو الشعبية، إلى أسماء عربيَّة مثل "قحطان" و"عدنان"، علماً أن نسبة الأكراد في بعض القرى المحوّرة مائة بالمائة. والتعريب الفعلي الذي تمَّ لا تُقارَن كميّته وجديّته وواقعيّته بالصراع في وسائل التواصل الاجتماعي بين الأكراد والعرب، حول أسماء القامشلي أو رأس العين أو كوباني، (هنالك تعبير للشاعر سليم بركات، يسمّي عملية التعريب التاريخية الممنهجة "تشريد المكان"). إغفال سياسة التعريب الممنهجة في المقال خطأ.

ثانياً، يورد المقال مغالطة تاريخيَّة، هي الأولى من نوعها، أنَّ سياسة "تكريد" حصلت للمناطق في الشمال السوري، نتيجة الحلف الاستراتيجي التاريخي بين حزبي العمال الكردستاني، بقيادة عبدالله أوجلان والبعث السوري بقيادة الرئيس حافظ الأسد. وهذا غير صحيح ولا علاقة له بالتاريخ. والتأكُّد من دقّة هذه المعلومة العامة أمرٌ لا يحتاج مراجع تخصُّصيّة أو نصوصاً تفصيليَّة، بل مراجعة صغيرة للتاريخ الواقعي الكردي السوري (غوغل جيّد هنا)، ولمؤلّفات أوجلان، تؤكّد أن الحلف الأوجلاني الأسدي كان على حساب القضية الكردية السوريّة، وعلى حساب إسكات صوت الحركة الوطنية الكردية السوريّة، وقمع وتهميش الأحزاب الكرديّة السورية الأخرى، في خارج ذلك التحالف الاستراتيجي. إذْ كانت تلك الأحزاب مع توطين القضية الكردية السورية في سورية، أي جعلها قضيَّة وطنيَّة كرديَّة وعربيَّة، وربطها بالصراع في دمشق، وبالقضية الديمقراطية والحقوقية في عموم البلاد. وقد أكدت تصريحات عديدة لأوجلان أنه لا كردستان في سورية، وأنه لا قضية كردية في سورية. وقد أغفل أوجلان القضية القومية الكردية السوريَّة، شرطاً أساسياً للتحالف مع حافظ الأسد، العدو الإقليمي الأكثر وضوحاً لتركيا آنذاك. وبالتالي، الحديث عن مكاسب كردية سورية نتيجة ذلك الحلف أمر غير صحيح. بالعكس، تمت التضحية بالقضية الكرديّة السورية على حساب الوجود العسكري والسياسي لحزب العمال الكردستاني في سورية.

ثالثاً، يتحدّث الكاتب عن "انتهاز الأكراد للحظة التاريخيَّة"، وهذا كلام أصبح يُكتَب بسهولة في الصحافة العربيَّة، وهو يعكس عدم دراية بالديناميات العميقة لحركية المجتمعات، وبالرهانات الأهلية الكبرى في لحظات التحوّل الاجتماعي السياسي العميقة. المجتمع حسب هذا المنطق الصّوري هو على الشكل الآتي "الأكراد ينتهزون اللحظة التاريخيَّة، العلويون مع النظام، السنة مع الثورة….". لا طبقات ولا صراع اجتماعي ولا تجارب تاريخيَّة، هذه خلاصات قد تكون صحيحة، ولكن، الأفضل محاوله فهمها ودراسة الأسباب والعوامل السياسية والطبقية والاجتماعية والتاريخية والنفسيَّة بشأنها، بدلاً من حكم القيمة الإطلاقي التعميمي هذا.

رابعاً، عنوان المقال، "تطهير كردي في الحسكة"، كبير زيادة عن اللزوم، عن موضوع دقيق وحساس، لا تتوفّر بعد المعطيات الواقعية الموثّقة بشأنه من جهات حقوقيّة معتمدة. حزب العمال الكردستاني متورط بجرائم قتل أهلي، وبعضها يرقى إلى مستوى جرائم حرب بحق بعض القرى ذات الوجود الأهلي العربي. يوجد توثيق حتّى الآن لعدد محدود من المجازر، هذا أكيد. ولكن، من المبكر كتابة مقال عنوانه "تطهير كردي للعرب"، وأتمنّى أن يتم توثيق كل المجازر التي ترتكب هناك، وتحاسب كل القوى المتورّطة، وفي مقدمتها وحدات الحماية الشعبية الكرديّة.

دارا عبدالله
دارا عبدالله
كاتب سوري يقيم في العاصمة الألمانيّة برلين، من مواليد مدينة القامشلي عام 1990. له كتابان: "الوحدة تدلل ضحاياها" (صادر عام 2013) و"إكثار القليل" (صادر عام 2015). يدرس في كليّة الفلسفة والدراسات الثقافيّة في جامعة "هومبولدت" في برلين. من أسرة "العربي الجديد" ومحرّر في قسمي المدوّنات والمنوّعات. يمكن التواصل مع الكاتب عبر الحسابات التالية: