أربعون حرب لبنان

أربعون حرب لبنان

11 ابريل 2015

مقاتلون في بيروت أثناء الحرب الأهلية (16أبريل/1978/Getty)

+ الخط -

أن تأتي الذكرى الأربعون لاندلاع الحرب الأهلية اللبنانية (1975 ـ 1990)، من دون زوال مسبباتها، وسط تغيير طفيف في لاعبيها المحليين، أو الديناصورات الإقليمية والدولية المتحكمة بالداخل اللبناني، مشكلة كبرى، لا يزال يعيشها وطن الأرز. قد تبدو المشكلة اللبنانية مزيجاً من بعض كل شيء: قليل من الخطأ الجغرافي، وقليل من التناغم الكاذب بين "الشعوب" اللبنانية، وقليل من غياب حسّ الانتماء، وقليل من الارتباط بالماضي الاحتلالي والاستعماري، وقليل من انعدام الثقة بالمستقبل. لا بدّ، بالتالي، أن يؤدي هذا "القليل" إلى قتل "الكثير" من احتمالات التطوّر وبناء دولةٍ، أو حتى قيام ثورة.

الأسوأ في حرب لبنان أنها انتهت كما بدأت. لا أحد يعلم لماذا نشبت في 13 أبريل/نيسان 1975، وإن كانت عناصرها جاهزة، ولا أحد يعلم لماذا انتهت، وإن كان "القرار الدولي"، بعد اجتياح العراق للكويت في 2 أغسطس/آب 1990، أحد أبرز عوامل انتهائها. في الخلاصة، دفع كثيرون حياتهم لأجل "لا شيء"، ربما في ما قد يُعتبر أطول حرب عصابات في التاريخ الحديث. في لبنان "شهيد" منطقة أو حزب أو طائفة، مجرّد "قاتل" أو "جزّار" لمنطقة أخرى أو حزب آخر أو طائفة أخرى. لا يُمكن إقناع أحد بأن "الجميع شهداء لأجل لبنان وكلّ على طريقته". فقط من أجل الإعلام وإعادة الروح لمفهوم التكاذب، لا التعايش اللبناني، يُمكن قبول هذا النوع من الحديث، وغير ذلك مجرّد زمن كاذب آخر، يهيئ لزمن الصدق الذي يتجلّى في الحرب الداخلية. ولا يُمكنك، أيضاً، القول لمن قُتل قريبٌ له إن "قاتله شهيدٌ أيضاً". هنا، قمّة التراجيديا المعلّقة بين حربين.

والأدهى أن "المصالحة الوطنية"، المُفترض أنها تمّت منذ زمنٍ طويل، خصوصاً أنه مضى على نهاية الحرب أكثر من ربع قرنٍ، لم تحصل، بل تُركت كل الجروح مفتوحةً، على أمل الانغماس في حربٍ جديدة. كثر لا يريدون الاقتناع بأن الحروب في لبنان، الطائفية منها، ليست طائفية، بل تُستغلّ فيها الطائفية، لتحقيق مكاسب سياسية ـ شخصية، خصوصاً أن معظم أمراء الحرب ورجال السياسة في لبنان يبدون أقرب إلى "عمّال مُستخدمين" لدى قوى خارجية مما هم أولياء على ناخبيهم وشعبهم. ومن الطبيعي في ظلّ هكذا "رجالات" أن تبقى الأمور مفتوحة على مصراعيها. ويكفي النظر إلى السجال، أخيراً، بين تيار المستقبل وحزب الله، لمشاهدة الترجمة الحقيقية لواقع قديم لا نريد تصديقه، وهو انتماء أصحاب القرار المحلي إلى دول إقليمية. لكننا نتجاهل "تبعيتنا" بالإشارة إلى "تبعية الآخر". وإذا كان أكبر فريقين سياسيين على الساحة اللبنانية تابعين، فالباقي ليس أفضل.

في الواقع، ما يُطالب به بعضهم في لبنان ليس "طلباً استقلالياً"، بل "دفاعاً عن امتيازات دولة أخرى". يكفي أن ترى برقيات التهنئة التي يتزاحم السياسيون اللبنانيون على إرسالها شرقاً وغرباً، في كل مناسبة خارجية، في سعيهم إلى بناء علاقة "ندّية" بالطبع، مع دول القرار، كما فعلوا ويفعلون من أيام السلطنة العثمانية إلى الزمن الحالي، مروراً بالفرنسيين والسوريين والسعوديين والإيرانيين، وغيرهم كثر. إن أُمروا بشنّ حربٍ، فسيشنونها.

بالتالي، لم يكن اتفاق الطائف المُوقّع في 1989، والذي مهّد لإنهاء الحرب اللبنانية اتفاقاً نهائياً، كما يُشاع، بل مجرّد هدنة، حتى إشعار آخر. وكل يوم يمرّ على الجمهورية اللبنانية، من دون العمل على إزالة كل رواسب الماضي، والاستعداد لمستقبل مغاير، يعني اقترابنا من حربنا العتيدة. اللبنانيون، بأكثريتهم، لا يريدون أن يتعلّموا، والدليل تمسّكهم بأمراء حروبهم، تحت ذرائع واهية، طائفية وسياسية ومناطقية. والأمراء يتنعمون بالمغانم وأتباعهم يلحسون المبرد. أما الأقلية اللبنانية التي يُمكنها بدء حراك تغييري، فلا تبحث عن أكثر من كأس من الخمر، أو حقيبة هجرة.

6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".