الأردن وحوار عربي إيراني

الأردن وحوار عربي إيراني

10 مارس 2015

روحاني مستقبلا ناصر جودة في طهران (مارس/2015/بترا)

+ الخط -

يدعو وزير الخارجية الأردني، ناصر جودة، من طهران، إلى حوار عربي إيراني، في زيارة، نقل فيها رسالة من الملك عبد الله الثاني إلى الرئيس الإيراني، حسن روحاني، ربما يكون هذا الحوار المدعو إليه من مضامينها. وإذ تحسب الزيارة مؤشراً على تطور ملحوظ في العلاقات بين عمّان والجمهورية الإسلامية، بعد تعيين سفير أردني، قبل شهور، في طهران، وبعد زيارة وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، إلى عمّان، قبل أكثر من عام، فإنها، أيضاً، مؤشر على مزاج عربي بات في وارد الأخذ والرد مع إيران مباشرة، بالحوار والزيارات المتبادلة. وبذلك، يمكن حسبان زيارة جودة (وهو نائب لرئيس الوزراء في بلاده أيضاً)، إلى طهران تدشيناً لبادرة يد عربية ممدودة، خليجية تحديداً، تجاه إيران، والمرجح أن عمّان أوفدت وزيرها إلى طهران بعد استئناس آراء حلفائها في الخليج، وفي الرياض تحديداً، وإن تحدث وزير الخارجية السعودي، سعود الفيصل، قبل أيام بحضور نظيره الأميركي جون كيري، عن احتلال إيراني في غير بلد عربي.

المساحة شاسعة بين مواقف الأردن وإيران في غير ملف، وإذا كانت الحرب ضد داعش موقفاً موحداً، فإن عمّان لا ترى في الميليشيات الشيعية المسلحة في العراق، والمسنودة ميدانياً، وبالعتاد والرجال والإشراف من إيران، لا ترى فيهم أنصاراً للأم تيريزا وأتباعاً للمهاتما غاندي. وإذا كانت الرياض عبّرت، بصراحةٍ، أن إرهاب هؤلاء لا يقل شناعة عما تقترفه داعش، فإن عمّان ليست بعيدة عن هذه الرؤية. على أن هذا الخلاف، وغيره كثير بشأن غير ساحة عربية تستبيحها إيران علناً، لم يعد يعني الاكتفاء بكظم الغيظ مع دب الصوت في الجرائد والفضائيات، بل صار يستوجب حواراً مع إيران، ومفاوضاتٍ معها تتداول في هذه الأمور. ومن بديهيات السياسة وطبائعها أن الحقائق تفرضها القوة الماثلة للعيان على الأرض، والقوة العربية، ناعمةً أو خشنة، في سورية والعراق واليمن ولبنان، غير ملحوظة إلى الحد الذي يجعل إيران ترعوي، فتراجع حساباتها، وتبادر إلى الحد من شهيتها في تعظيم دورها الإقليمي النافذ في المنطقة.

ثمة وجاهة وفيرة في الإحالة إلى حوارٍ أميركيٍّ نشط مع إيران، وصداقات أوروبية معها، وفي التذكير بأن رفع الحصار عن الجمهورية الإسلامية، وإلغاء العقوبات عليها (أو كثير منها) مسألة وقت. وهاهم مدراء شركات أوروبية عديدة يتقاطرون إلى طهران، لاستكشاف السوق الإيراني الواعد بشأن استثمارات ومبادلات تجارية. ومع اقتراب إنهاء قصة الملف النووي إياها، وإنْ بالكيفية الأميركية على الأغلب، غير المرضية لفرنسا على ما يتردد، فإن السعودية، ومعها دول الخليج وعموم العرب، سيجدون أن حواراً مع إيران لم يعد من النوافل، بل صار شديد الإلحاح، وهو الذي لم ينقطع بالمطلق، ففيما كان ظريف والفيصل يتداولان في جلسة محادثاتٍ بينهما، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، في نيويورك، كان العبور الحوثي في صنعاء في اليوم نفسه، في سبتمبر/أيلول الماضي.

يمكن، إذن، حسبان الخطوة الأردنية باتجاه إيران تعبيراً عن مزاج عربي مستجد تجاه إيران، مؤهل للتطور، وفي البال أن ناصر جودة تسلم، أمس، رئاسة المجلس الوزاري لجامعة الدول العربية، في اجتماعٍ من مهماته بحث موضوعات مؤتمر القمة العربية المرتقبة نهاية الشهر الجاري، يتسلم فيها عبد الفتاح السيسي رئاسة الدورة الجديدة لمؤسسة القمة، وهو الذي له خطوطه مع إيران، (هل من يتذكّر خطوط محمد مرسي معها أيضاً؟). وفي انتظار هذه الاستحقاقات، البروتوكولية في طابعها، ثمّة تقدم في النجاحات الإيرانية السياسية (والميدانية)، وثمّة سورية تترنح، وتعود القهقرى في النسيان العربي، وفي فم الحوت الإيراني، وثمّة لبنان ينتظر مباركة سعودية لقرار إيراني متخذ. هل ثمة سياسة عربية في مستوى الطموحات الإيرانية الغزيرة، بعد زيارة جودة، ورسالة من الملك عبدالله الثاني إلى روحاني؟

358705DE-EDC9-4CED-A9C8-050C13BD6EE1
معن البياري
كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965. رئيس قسم الرأي في "العربي الجديد".