لا عيد للمرأة السورية

لا عيد للمرأة السورية

09 مارس 2015

سورية في مخيم لاجئين في عرسال اللبنانية (18 فبراير/2014/الأناضول)

+ الخط -

يوم السبت، الثامن والعشرين من فبراير/شباط الفائت، وبينما أعبرُ جادّةَ الاستقلال في إسطنبول، المنحدرة من ساحة (تقسيم)، لفتت نظري مجموعة من الصبايا والشباب يحملون لافتات استطعت أن أفهم منها، في حدود تركيتي المتواضعة، أنهم يجهزون أنفسهم لاحتفالية كبيرة بعيد المرأة العالمي الذي يصادفُ في الثامن من مارس/آذار، فكان ذلك مصدر فرح لي؛ وفي الوقت نفسه، مصدرَ ألم لا يُطاق.

ما يُفرحني، حقيقة، أن تركيا، هذه الدولة الصاعدة في معراج الحضارة الإنسانية، قطعت شوطاً كبيراً في حقوق الإنسان بشكل عام، وحقوق المرأة بشكل خاص... لا؛ بل إن الأتراك لا يوجد لديهم شيء اسمه قضية المرأة! ففي القانون التركي مساواة تامة، وأرجو التركيز على كلمة (تامة) بين الرجل والمرأة، يعني في الإرث، في التملك، في الشهادة أمام القاضي.... وإذا جاء شاب إلى والد فتاة وطلب منه يدَ كريمته؛ لا يحق لهذا الأب أن يعطيَهُ بها وعداً، أو قولاً، أو يدقّ على صدره، أو يُمسك على شاربيه قائلاً: أعطيتك إياها ولا أرجع بكلامي. لأن القاضي الذي سيسجل العقد لا يهمه رأيُ والد الفتاة، أو أعمامها، أو أخوالها، أو جَدِّيها، ولا يُقَيِّد عقد زواج إذا لم توافق عليه الفتاة، صاحبة العلاقة، شخصياً، وتضع توقيعها الكريم الـ (imza) كما أنه لا يقبل عقد القران بناء على توكيل منها لولي أمرها، والمرأة لا ولي أمر لها أصلاً.

ومع أن حزب العدالة والتنمية، ذا الصبغة الإسلامية، هو الذي يحكم تركيا منذ عام 2002، فإنه لم يَصْدُر، طوال هذه السنوات، أيُّ صوت، أو مناداة، أو مناشدة، أو مطالبة، من أية جهة حزبية، أو شعبية، أو مؤسسة دينية، بتجريد المرأة التركية من هذه الحقوق العظيمة التي تتمتع بها، وجَعْلِها شيئاً هامشياً ملحقاً بمملكة الرجل. وليكن معلوماً أن المرأة التركية غير المتزوجة يحق لها أن تقيم علاقة مما يسمى (مساكنة)، ولا يحق لأحد أن يضايقها، أو يعتدي على حريتها لأجل هذا السبب.

قبل أن تقوم الثورة السورية، كانت المرأة السورية تتمتع ببعض الحقوق، وكان القضاة السوريون يتشددون، إذا عُرضت عليهم حالة زواج تشبه الاغتصاب، من قبيل تزويج فتاة مراهقة لشيخ كبير، أو مقايضة أخت ببنت، أو زواج رجل من امرأة ثانية، من دون موافقة زوجته الأولى... ولكن العريس وأهل الفتاة لا يكترثون لأكبر قاضٍ أو مستشار قانوني أو بروفيسور حقوقي، إذ سرعان ما يذهبون إلى رجل متمشيخ، ويكتب لهم ما يشاؤون، وتتم عملية التزويج بسلاسة مدهشة، و: فَضِّتْ يا عرب.

وكانت المرأة السورية تُظْلَمُ في البيت، من أبيها، وأخيها، ثم زوجها، وأهل زوجها، ويؤكل ميراثها، ولا تجرؤ على تقديم شكوى لأحد، وإذا اشتكت لا يوجد قانون ينصفها، وإذا نشزت تعادُ إلى بيت الطاعة صاغرة، والذين يلوذون بها ليس لديهم ما يقولونه لها غير نصيحتها بالصبر، حتى قالت النساء بالأمثال: ما في وراء الصبر غير المجرفة والقبر.

حينما قامت الثورة السورية التي كان شعارها الحرية، شارك فيها عدد كبير من الناشطات السلميات المدنيات، جنباً إلى جنب مع الرجال الثائرين، ولم يكن النظام رحيماً معهن، فتعرضن للسوية نفسها من البطش، إضافة إلى البطش الفظيع الذي تختص به النساء، أعني الاغتصاب!

ومضى الزمن على الثورة السورية، كما تعلمون، وتواطأ ضدها العالم، ووقع المجتمع السوري في المناطق التي هرب منها النظام تحت أيدي المسلحين المتطرفين من تنظيم القاعدة، داعش والنصرة وفصائل أخرى، وسرعان ما تحولت المرأة السورية إلى هدف ثمين، يتسابق على إذلالها المسلحون أمراء الحرب، وكل فريق منهم متسلح بفريق إفتاء خاص به، وكل فريق يتفنن في إذلال المرأة، فهذه يرجمونها، وهذي يعدمونها رمياً بالرصاص، وتلك يجلدونها، وهاتيك يتزوجونها فوق زوجاتهم، وأما الطفلات الصغيرات فيلحقونهن إلى أبواب المدارس، ليفرضوا عليهن الأحجبة السوداء، تحت طائلة منعهن من التعليم.

أخيراً: لا أحد في العالم يمكن له أن يعثر على صورة أكثر مأساوية وفظاعة وبؤساً من الصورة التي سأختم بها هذه المقالة، هي أن بعض الأهالي الذين تسرب إليهم خبر اغتصاب بناتهم في معتقلات نظام الأسد ينتظرون خروجهنَّ من المعتقل بفارغ الصبر لكي يقتلوهن غسلاً للعار.

هل ثمة عارٌ أكثر من هذا الفعل؟

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...