تهميش المرأة حقيقة أم اتهام؟

تهميش المرأة حقيقة أم اتهام؟

08 مارس 2015

تظاهرة نسوية في تونس (2014/الأناضول)

+ الخط -

كانت الحركة النسائية، في ستينات القرن الماضي وسبعيناته، ترفع شعاراً كبيراً وواسعاً تنضوي ضمنه المطالب التفصيلية كلها. شعارها كان "المساواة مع الرجل"، وكانت رؤيتها تنطلق من الكل إلى الجزء. وترى أن تحقيق المساواة، بعموميتها، يجعل كل الحقوق التي تندرج تحت هذا العنوان العريض تحصيل حاصل.

لم يسمح الواقع الاجتماعي والسياسي، وحتى الاقتصادي، عبر تلك السنوات الطويلة، على الرغم من ارتفاع وتيرة الحراك المجتمعي، إن عبر الأحزاب أو النقابات أو مؤسسات العمل الشبابي والنسائي، في الوصول إلى النتائج التي تطمح إليها مجتمعات منطقتنا العربية عموماً، والنساء خصوصاً. كانت الطموحات التي تترجم عبر شعارات، ومطالب ترتفع هنا وهناك، تصطدم بالعراقيل التي غالباً ما تكون نتيجة التلاحم، المعلن حيناً أو الخفي أحياناً، بين السلطات السياسية والدينية، الأمر الذي شكّل، ولا يزال، مناخاً قامعاً للتحركات المطلبية، وما يمكن أن يستتبعها من رفع سقف المطالبات، ويصل بعدها إلى المناداة بتغيير أشكال الأنظمة السياسية، وبفصل الدين عن الدولة. وهو بالضرورة خط أحمر، تواجهه السلطات القائمة على أنواعها.

نتيجة لذلك، تغيّرت المقاييس والرؤى، ولا ندري إن كان ذلك دليل نضج في الحركة النسائية. وانقلبت الرؤية، وبعد مسار نضالي طويل، أكدت معطياته أن مطلب "المساواة" لا يمكن اكتسابه هكذا دفعة واحدة، صارت المرأة تطالب بالحقوق واحداً واحداً وبالتفصيل، أي تحولت خططها من الجزء نحو الكل.

تطالب الحركات النسائية، اليوم، وتحاضِر وتعتصم أمام مقرات الجمعيات الدولية، وترتب لقاءات مع السياسيين، وتعقد المؤتمرات لتضغط باتجاه إقرار قانون هنا يعاقب المغتصب، أو قانون هناك يحاسب مرتكب جريمة الشرف على أنه مجرم، وكذلك الحال بالنسبة لحق المرأة بمنح جنسيتها لأولادها وزوجها، وكذلك حقوقها بالوظيفة والترقية والتمثيل السياسي والزواج والطلاق والشهادة في المحاكم... إلى ما هناك من حقوق عالقة لا تقر في بلدان كثيرة، وإن أقرت في بعضها، فهي لا تعود أسبابها للحركة النسائية وحدها، وإنما لاعتبارات داخل هذا البلد أو ذاك ترتبط بخصوصيات الواقع المحلي، والذي تتحكّم فيه السلطات الحاكمة بمجملها.

تغيير التوجهات والخطط، وفقاً للمستجدات، لا يعتبر تنازلاً من الحركات النسائية، بل انسجاماً ربما مع مجريات الواقع. ويؤكد هذا التغيير على أن النظرة العامة لقضايا المرأة ترى في تحرك النساء أمراً على الهامش، يتم دعمه ومساندته تبعاً للحاجة، كما يتم إقصاؤه وتقليص فاعليته، وفق حاجات أخرى. وهذه النظرة موجودة ومعلنة وتمارس عن وعي من السلطات "الذكورية"، كما أنها موجودة في لاوعي الحركات النسائية التي تدرك، تماماً، أنها مهمّشة ومستخدمة، الأمر الذي تنكره في خطابها العلني.

استخدام القوة (أو الكتلة) النسائية، يحصل في السياسة، عندما يتم حشد النساء عند صناديق الاقتراع، ليس من منطلق المساواة وممارسة حرية الرأي، وإنما لاستكمال شروط اللعبة السياسية من منافسة وجماهيرية، وتحسين صورة المرشحين، وغير ذلك من الاعتبارات (هناك مجتمعات لا يحق للمرأة فيها التصويت). كما يحصل هذا الاستخدام في قطاعات الزراعة والإنتاج الصناعي (النساء تتساوى مع الأطفال بكونها يد عاملة مؤقتة، يسهل تسريحها تبعاً لحركة الإنتاج)، وينسحب الأمر على الوظائف (رواتب النساء أقل، وحاجات سوق العمل تتحكم بتوظيفها أكثر من الرجل)، وحتى قوانين العمل والتأمينات (المرأة الموظفة لا تُعامَل على أنها كائن منتج، بحدّ ذاته، ويتم تمييزها في القوانين، خصوصاً في القطاع الخاص)، وقس على ذلك في توفير فرص التعليم وشروط الإبداع وغير ذلك.

أما الاستخدام الأكثر نفوراً وفداحة عندما يتم التعامل مع المرأة على أنها كائن "جنسي" فقط. فالسلطة تجعل من المرأة أداةً جنسية ضاغطة ومذلّة للرجل المعارض، فيتم، مثلاً، تهديد المعتقلين باغتصاب أمهاتهم، أو يتم اغتصاب زوجاتهم وبناتهم أمامهم في مراكز الاعتقال. أو يتم تجييش النساء (ترهيباً وترغيباً)، تحت عنوان "الجهاد"، لتكون الأداة الجنسية التي تؤمّن رغبات الرجل في معاركه وحروبه. أو يتم قتلها أو تعذيبها أو تحقيرها ونبذها تحت عنوان "الشرف"، لأن مرتكب هذا العنف، ومَن يبرره لا يرى في المرأة سوى أداة للجنس، قبل أي شيء آخر. كما أن السلطات التي تمنح التراخيص، وتقنن عمل النساء في الدعارة، وتجد لنفسها مبررات هذا الترخيص، وفي المقابل، تصورهن على أنهن "وباء" لا بد من القضاء عليه. وتشييء المرأة يطال مجالات كثيرة أخرى، تبيّن استخدام المرأة ككائن في المقلب الآخر مقابل الرجل.

وأمام كل ما يحصل، يقف الرجل "المعارض" و"الرافض" وقفة غير ثابتة، مهزوزة، لأن المرأة التي أمامه، أمّاً كانت أم زوجة أم ابنة، هي موضوع "فتنة" محتمل، ومشروع يهدّد "الشرف" المجتمعي عموماً، فالثقة مزعزعة والدفاع العلني يخفي هشاشة متجذّرة في اللاوعي الجمعي.

أما المرأة (النساء عموماً)، التي تعي تهميشها، يترسخ في لاوعيها الجمعي، أيضاً، النظرة الدونية لجنسها، وتنطلق في "معركتها" لكسر هذه الصورة وتغييرها. ولكن تعديل نظرتها نحو ذاتها هي مسؤوليتها وحدها.

هذه الصورة ليست خاصة بمجتمعات دون أخرى، إنها صورة عامة عن واقع النساء. تبرز هنا بشكل أكثر وضوحاً، وتخفت هناك، وفق تطورات المجتمع وتحسين شروط العيش فيه. وطالما أن حركة المجتمعات لا تتوقف، فنضال الحركات النسائية سيستمر، وستبقى المرأة ترفع صوتها للمطالبة بما هو أفضل لها.

إن عرض هذه النظرة للواقع التي قد تجد قبولاً لدى بعضهم ومعارضة لدى آخرين، وطرحها، لا يعني الموافقة على ما يحصل، أو التسليم والسكوت عنه، وعدم الإصرار على التغيير. بل على العكس، التغيير حاصل بالضرورة، ولكن متى تستعيد المرأة موقعها المساوي للرجل؟ ومتى تتحوّل السلطة لصالحها؟ قد تتطلّب عصوراً طويلة.

فقضية المرأة محكومة بعلاقتها بالرجل بالضرورة، ووفق ما تشير إليه المعطيات ومجريات الأمور، هي علاقة شائكة، علاقة ندّية، لا تنازل فيها ولا استسلام. كلاهما يشد بمصالحه للإمساك بزمام الأمور. حتى اليوم "هو" المتحكم وصاحب القرار، ولكن إلى حين.

61B986DE-2650-44DE-86DA-74469348610B
سهى أبو شقرا

صحافية وكاتبة.. بدأت تجربتها في لبنان، ثم تنقلت بين الكويت والإمارات وقطر. عملت في إعداد البرامج التلفزيونية والإذاعية، ومنها برامج الأطفال.