هل هو أوان السلام الاقتصادي؟

هل هو أوان السلام الاقتصادي؟

01 ابريل 2015
+ الخط -

أفرجت إسرائيل عن أموالٍ فلسطينية، بعد ثلاثة أشهر من احتجازها، وادّعى مكتب رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، في بيانه، أن القرار لأسباب "إنسانية" ولمصالح إسرائيلية. وقال: "في الوضع القائم، حيث تتدهور الأوضاع في الشرق الأوسط، علينا العمل بمسؤولية وبعقلانية، إلى جانب مكافحة التنظيمات المتطرفة بلا هوادة".

يأتي هذا التطور في سياق سياسي مسدود، ومصاحباً لإجراءات شبيهة تصبّ في اليومي والمعيشي الذي يشغل، عند صاحب القرار الإسرائيلي، ولدى تقديرات الأجهزة الأمنية، مكانة مهمة. تلك الإجراءات التخفيفيّة التنفيسيّة، كالموافقة على منطقة صناعية في الخليل، والتخفيف من قيود تصاريح العمل في "إسرائيل"، وليس بعيداً عنها السماح بإدخال كميّات من الإسمنت إلى قطاع غزة.

وكلام نتنياهو أعلاه مُوجَّه إلى قوى وأحزاب صهيونية قد تزاود عليه في العنصريّة والفاشيّة؛ فقد اجتاز، الآن، عقبة الانتخابات، محقِّقا تقدُّما ملحوظاً، وآنَ له أن يخضع، أو يراعي الاعتبارات الواقعية، وأن يخفِّف من الضغوط الدولية الأميركية والأوروبية، وما دام أن هامشه السياسي ضيّق، فأول ما يمكن أن يبدأ به هو الجانب الاقتصادي المعيشي، ولا سيما أن في هذه (البَحبحة) مصلحة إسرائيلية أمنية، إذ كانت تقديرات الجيش الإسرائيلي أنّ الاستمرار في حجز الأموال الفلسطينية قد يمهّد لعمليات "إرهابية".

وكان ثمة توجُّه طرحه نتنياهو، وغيره من أقطاب السياسة الإسرائيلية، يقول إنه ما دام أن السلام النهائي غير ممكن، في المرحلة الراهنة، فإنّ المسار الممكن هو الاقتصادي، حيث يكون الانتعاش الاقتصادي للفلسطينيين، والعلاقات المتبادلة القائمة على التعايش الفلسطيني الإسرائيلي البيئةَ المناسبة لبناء الثقة، وإنضاج تربة السلام.

ظهر هذا بعد أن اتضحت مساحة الفجوة التي تفصل بين الحدِّ الأدنى للمطالب الفلسطينية من حدود 67 والقدس الشرقية، ودولة فلسطينية قابلة للحياة، مع حلٍّ عادل لقضية اللاجئين، بالاستناد إلى القرار الأممي 194، وبين الخطوط الحمر الإسرائيلية التي تعزّزت بعد تكرّس اليمين، واليمين المتطرِّف قوةً سياسية ومجتمعية متنامية، حيث لا انسحاب عن الأغوار، ولا عودة للاجئين، ولا تخلٍّ عن القدس الشرقية، وأخيراً لا قبول بدولة فلسطينية. ولو أن نتنياهو يظلُّ يوارب في شأن الموقف من الدولة الفلسطينية، لكن الواضح أن برنامجه السياسي والاستيطاني يقضي على أيِّ فرصةٍ لمثل هذه الدولة الموعودة.

وبعد أن روّج الإسرائيليون، فترة، فكرة فقدان الشريك، ولا سيما أيام الراحل ياسر عرفات، جاء محمود عباس، أبو مازن الذي يعزّ بديل أكثر (واقعية) وصراحة منه، في الوفاء بـ "مطالب السلام" من نبذ العنف، والاقتصار على النضال السلمي المنضبط، ومن الإصرار على " التنسيق الأمني" أمراً مقدّساً، وإن اضطروه في النهاية إلى محاولة " تدويل الصراع"، بعد أن لم يعد ممكنا الاتكاء على أيِّ آمال في السلام مع نتنياهو، ومَن على يمينه.

وبعد أن وفّر أبو مازن أقصى ما استطاع من متطلبات السلام، جاء التذرُّع الإسرائيلي بضعفه، وأنه لا يسيطر على الضفة الغربية وغزة، لا سيما بعد الانقسام، واتسع هذا التذرُّع بعد "الربيع العربي"، ليشمل المحيط المضطرب الذي يحيط بإسرائيل، وصعود " الإسلاميين الجهاديين" أو " المتطرِّفين"، وهي الذريعة التي تُشهَر في وجه الولايات المتحدة، والدول الغربية الراعية للعملية السياسية. وهنا، تبرز أهمية استحضار الموقف الأميركي، من مثل هذه التوجُّهات نحو إحلال (الحلول الاقتصادية) في هذه المرحلة محلَّ الحلول السياسية، هل تقبل واشنطن بذلك؟

ساد شعور وقناعات بأن الإدارة الأميركية تعمل على إدارة الأزمة المتعلقة بالصراع العربي الإسرائيلي، أكثر ممّا هي جادّة في إنجاز حلٍّ عادل ونهائي، أو أنها، كما تصرّح، تريد حلاّ لهذا الصراع، لكنها لا تفرض حلولاً على الأطراف، وتترك الأمر للتفاوض المباشر بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

وبعد أن بذلت إدارة أوباما، ولا سيما منذ ولايته الثانية، (وكان أكّد على أهمية إحلال السلام في بداية ولايته الأولى، في خطابه في القاهرة، في يونيو/ حزيران 2009) بزيارات متوالية لوزير الخارجية، جون كيري، لم تسفر عن أي نجاح ملموس. تبدو هذه الإدارة، الآن، حريصةً، على الأقل، على منع تفجُّر الأوضاع. وقد أكّد أوباما، أخيراً، صعوبة تصوُّر إقامة دولة فلسطينية، بعد تصريحات نتنياهو، في حملته الانتخابية أخيراً، أنه لن يسمح بقيام دولة فلسطينية.

وكانت صحيفة معاريف الإسرائيلية قد نشرت خبرا نهاية إبريل/ نيسان من عام 2013 عن وجود خطة أميركية بمليارات الدولارات لتطوير الاقتصاد في مناطق السلطة الفلسطينية، ورأت في ذلك علامةً على اقتناع الولايات المتحدة بموقف نتنياهو الذي يؤكّد على السلام الاقتصادي، قبل السلام السياسي.

ومع ذلك، ليس الأمر بهذه البساطة، ولا سيما بعد أن هيمن البُعد السياسي للقضية الفلسطينية، وتصاعَد التوتُّر، بعد توقُّف المفاوضات، منذ الربيع الماضي، لكنه يبقى خيارا ممكنا، إسرائيليا وأميركيا.