داعش وأميركا... وثالثهما المالكي

داعش وأميركا... وثالثهما المالكي

03 مارس 2015
+ الخط -

تجتهد أميركا، أو هكذا تحاول أن تصور نفسها، ومعها الحلف العربي والدولي، في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، فمن تحالف دولي انطلقت غاراته منذ ستة أشهر أو يزيد، للقضاء على هذا التنظيم، إلى محاولات إنزال قوات برية على الأراضي العراقية، وتحديداً في الأنبار، غرب البلاد، إلى تطورات أخرى، ربما تكشف عنها الأيام القليلة المقبلة، في إطار ما باتت تُعرف بالحرب العالمية الثالثة على هذا التنظيم. لكن، هل هناك فعل حقيقي، على الرغم من كل ما تصوره أميركا وإعلامها، للقضاء على هذا التنظيم؟

ليس بعيداً عن الذاكرة، عندما أعلن البيت الأبيض أن التنظيم، وبعد ستة أشهر من الغارات، لن يفقد سوى ما نسبته 1% من الأراضي التي سيطر عليها، على الرغم من أن الغارات الدولية على مواقع التنظيم ترافقها، في الغالب، قوات على الأرض، سواء قوات عراقية، أو قوات البشمركة الكردية. بالإضافة إلى ذلك، يجيد التنظيم، على ما يبدو، لعبة المناورة، ما بين انسحاب هنا وهجوم هناك، واستيلاء على أراضٍ جديدة في مناطق أخرى.

إننا إزاء مشهد غاية في الغرائبية، صحيح أن هذا التنظيم لم يظهر فجأة، إلا أن سرعة انتشاره في الأرض العراقية، وتحديداً احتلاله الموصل، بهذه السرعة الخاطفة، يثير أكثر من علامة استفهام.

لا أدعي أن أميركا هي من سمحت لهذا التنظيم بأن يتمدد. ولكن، يمكنني القول، بمنتهى الثقة، إن رئيس الحكومة السابق، نوري المالكي، متورط حتى أذنيه في انتشار داعش واحتلاله الأراضي العراقية، وقضمه 55% من مساحة العراق الإجمالية. ما لا يعني أن سياسات المالكي هي من أنتجت داعش فقط، فهذا يبقى، في النهاية، أمراً غير مكتمل وناقص، لأن ظهور التنظيم لم يكن مفاجئاً، وسياسات المالكي أنتجت تنظيمات أخرى وأخرى، أغلبها اضمحل، ولم تعد في الساحة من راية سوى راية هذا التنظيم. ولكن، هناك دلائل على أن المالكي أعطى الفرصة لهذا التنظيم باحتلال الموصل، في محاولة منه للبقاء في منصبه عقب الانتخابات التي جرت العام الماضي، وتنامي الرغبة السياسية في العراق لتغيير المالكي، والتي كانت مواكبة لتظاهرات عارمة، استمرت عاماً في المدن السنية الست.

وأفادت تحقيقات تقوم بها حالياً لجنة نيابية عراقية، بأن هناك أيادٍ خفيّة ساهمت بسحب قطعات الجيش العراقي من الموصل وانهيار المدينة والسماح لداعش بالسيطرة عليها، وهو ليس كلاماً مرسلاً، وإنما حقائق تدعمها أدلة كثيرة أدلى بها قادة في الجيش العراقي ممّن كانوا في المدينة إبّان احتلالها.

وكان المالكي يسعى إلى تحقيق نصر رمزي على هذا التنظيم، عقب سقوط الموصل، اعتقد بأنه سيكون نصراً سهلاً، الأمر الذي يمكن، من خلاله، أن يفرض نفسه على الجميع، وهنا نذكّر بأن المالكي عرض على التنظيم مئة مليون دولار، عقب سيطرته على الفلوجة، للانسحاب منها، وظهوره منتصراً، غير أن التنظيم رفض ذلك، وقلب الطاولة على رأس المقامر، نوري المالكي، وتمدد سريعاً في ظل حالة من الإحباط والانكسار النفسي التي سادت بين قطعات الجيش العراقي، وكان في وسعه أن يدخل بغداد في ليلة ظلماء غاب فيها القمر، غير أن التنظيم لم يشأ ذلك، لحسابات داخلية.

ومن هنا، المسؤول الأول لظهور هذا التنظيم، وتمدده في الجسد العراقي، هو نوري المالكي، بسبب سياساته، أولاً، وبسبب مخططاته الشخصية التي طغت على كل نزعة أخرى، ومن بعده تأتي أميركا التي ساهمت، بشكل أو بآخر، في تعظيم قوة هذا التنظيم، كما ساهم إعلامها في تضخيم قوة تنظيم القاعدة، وفقاً لما كشفته، أخيراً، وثائق نشرتها فضائية الجزيرة.

سعت أميركا، كما المالكي، إلى الاستفادة من تمدد هذا التنظيم، ومباشرة بدأ إعلامها بتضخيم قوته، وهي التي عززت قناعة عراقية حكومية بأن المواجهة لن تكون سهلة، وصارت تسير وفقاً لمخطط جهنمي، يعيدها إلى العراق، وهذه المرة بطلب من العراقيين السنّة، أبطال المقاومة التي تصدت لاحتلال أميركا، طوال سنوات تسع من عمر احتلالها العراق، في وقت ترفض فيه القيادات الشيعية العراقية الدخول البري الأميركي، غير أن واشنطن تدرك أن هذا رفض مؤقت، سرعان ما يزول، إذا استشعر هؤلاء القادة السياسيون والدينيون الشيعة أن داعش باتت تهدد عروشهم الخاوية.

لن تنتهي داعش طالما أن التفكير بها، وبكيفية محاربتها، ينطلق من منطلقات مصلحية، على حساب الشعب العراقي وهمومه، فكلٌ يسعى إلى الاستثمار في هذا الكيان الغريب، والكل يعتقد أن في وسعه أن يحرز نقاطاً يضعها في سلته التفاوضية، وهذا الأمر ينطبق على إيران التي تسيّر العديد من خيوط اللعبة في العراق.

هم من صنعوا الإرهاب، وهم من يحددون طرق محاربته، فداعش، اليوم، إرهاب تحت السيطرة، من وجهة نظرهم. لكن، ماذا إذا قرر أبو بكر البغدادي نقل المعركة من الموصل والرقة إلى شوارع لندن وباريس ونيويورك؟

96648A48-5D02-47EA-B995-281002868FD0
إياد الدليمي
كاتب وصحافي عراقي. حاصل على شهادة الماجستير في الأدب العربي الحديث. له عدة قصص قصيرة منشورة في مجلات أدبية عربية. وهو كاتب مقال أسبوعي في عدة صحف ومواقع عربية. يقول: أكتب لأنني أؤمن بالكتابة. أؤمن بأن طريق التغيير يبدأ بكلمة، وأن السعادة كلمة، وأن الحياة كلمة...