اليمن في مهب الصراع الإقليمي والدولي

اليمن في مهب الصراع الإقليمي والدولي

27 مارس 2015
+ الخط -
عانى اليمنيون طويلاً من عبء طبيعة بلادهم الجيوسياسية، منطقة كانت، ومازالت، ساحة نموذجية لصراع القوى الكبرى، كما عانوا من نخبهم السياسية وولاءاتها العابرة للحدود. فمنذ استدعاء الملك الحميري، سيف بن ذي يزن، التدخل العسكري الفارسي لطرد الأحباش من اليمن، ما أدى إلى احتلالها من الفرس أنفسهم، واليمنيون يدفعون ضريبة هذه الثنائية المميتة.
هكذا تحولت حماقات الملك الحميري إلى إرث دبلوماسي لدى النخب اليمنية، وأصبح ذو يزن، في مفارقة تاريخية، بطلاً وطنياً، في حين ظلت اليمن ساحة لتمظهرات الصراع الإقليمي والدولي في أراضيها. فلم يستتب النظام الجمهوري في الشطر الشمالي من اليمن في ستينيات القرن الماضي إلا بعد (اتفاق جدة - 1965) بين مصر والمملكة العربية السعودية، وتوصلهما إلى احترام مصالحهما في اليمن. وبعد التسوية الإقليمية، تمت المصالحة اليمنية، وانتهت الحرب بين الملكيين والجمهوريين؛ وظلت اليمن، بشطريها، بؤرة للتجاذبات بين المعسكرين، الرأسمالي والاشتراكي. وبانتهاء الحرب الباردة، توفر أحد شروط تحقق الوحدة اليمنية.
على امتداد حكمه، استثمر نظام علي عبدالله صالح مصالح الدول الإقليمية والدولية في اليمن لتعزيز سلطته، بتقديم تسهيلات لهذه الدول (كالاقتصادية للشركات الأجنبية، وعقد اتفاقية ترسيم الحدود النهائية بين اليمن والمملكة.. إلخ)، أو بابتزاز الخارج بالقاعدة ومكافحة الإرهاب. وحين قامت الثورة اليمنية في فبراير/شباط 2011، عاد التدخل الخارجي بشؤون اليمن، فتم الالتفاف على مطالب اليمنيين بتسوية سياسية، تضمن للمتصارعين تقاسم السلطة عبر "المبادرة الخليجية" التي عكست مصالح القوى الإقليمية، بمنح صالح الحصانة، والاحتفاظ به، قوة محلية، قد يتم الاستفادة من نفوذها مستقبلاً. بالعقلية والاستراتيجيات نفسها، يدير صالح، حالياً، معركة دامية فيها كثير من أحقاده الشخصية وأحلام العودة إلى الحكم والواجهة السياسية. وبتخطيط ودعم منه، يقف الحوثيون، اليوم، على بعد عشرات الكيلومترات من عدن؛ واللافت أن المتحدثين الدوليين، في اجتماع مجلس الأمن أخيراً، لم يتطرقوا لصالح ودوره في الأزمة الراهنة في كلماتهم، ولم توجه له أي اتهامات أو تحذيرات!
 
ساهمت طريقة تعاطي المجتمع الدولي مع اليمن، في المرحلة الانتقالية، في تأزيم الواقع السياسي اليمني، حيث عمد المجتمع الدولي إلى ترحيل المشكلات اليمنية، وعدم حلها، بل وتغذيتها، بدعمه طرفاً يمنياً ضد آخر، ما ساعد في تنامي حدة الاستقطابات الداخلية بين مشاريع إقليمية متعددة في المنطقة؛ وظهر هذا الاستقطاب جلياً بعد سيطرة الحوثيين على صنعاء في سبتمبر/أيلول 2014، فبرزت دول الخليج حلفاً يساند شرعية الرئيس، عبد ربه منصور هادي، ومدافعاً عنه، ليس حباً به، وإنما لكبح جماح جماعة الحوثي الذي يمثل وهج الطموح الإيراني في المنطقة، في حين دخلت إيران في الصراع الداخلي اليمني، مع تبنيها الكامل سلطة الانقلاب الحوثي، ما يعزز وجود إيران قوة فعلية في الساحة السياسية اليمنية والخليج.
أخذت سياقات الصراع الإقليمي والدولي في اليمن منحى خطيراً، في الأسابيع الأخيرة، ما زاد من تعقيد الأوضاع في اليمن الذي يعيش حالة حرب أهلية وشيكة بين قوتين مدعومتين من القوى الإقليمية والدولية. وبعيداً عن توقعاتنا بخصوص شكل الحل للأزمة اليمنية الراهنة، والذي سيكون حلاً خارجياً، وبعيداً عن الرطانة التي يسمعها اليمنيون من العالم، لا يخضع الموضوع اليمني، اليوم، لإرادة اليمنيين، وإنما للتوافقات الخارجية على حزمة من القضايا والمصالح بين أطراف الصراع والحسم في هذا البلد، ويتأثر موقفها تجاه ما يجري في اليمن بحسابات السياسة الدولية ومستجداتها، بدءاً من التقارب الإيراني الأميركي والحرب على داعش، وليس انتهاءً بما يجري في سورية، وتقاطع المصالح الخليجية والأميركية من جهة والمصالح الإيرانية والروسية من جهة أخرى. وفي ظل تعقيد حزمة مواضيع الخلاف بين المتصارعين الدوليين، فإن قرار هؤلاء لا يعبأ بالموضوع اليمني لذاته، بل بقدر ما هو ورقة رابحة للمساومة في الصراع الدولي الدائر. وعلى الأغلب، فإن مزيداً من التعقيد في الشأن اليمني سيكون الخيار الرئيسي للمتصارعين الدوليين، للمساومة على مزيد من المصالح السياسية والاقتصادية بينها؛ وبقدر الثناء الذي سمعناه من المتحدثين في مجلس الأمن للرعاة الإقليميين للتسوية السياسية في اليمن، يسعى رعاة التسوية إلى سلب ما تبقى من القرار الوطني الداخلي بالمطالبة بتنفيذ البند السابع، وما يبدو أنه ورقة ضغط على الأطراف السياسية اليمنية، ليس في الواقع سوى منح الأطراف اللاعبة في اليمن مزيداً من مرتكزات القوة، لزيادة قدرتها على التأثير في (أو إفساد) الحياة اليمنية، وارتهانها لعراكات الأقوياء.
الحدث الذي يتابعه اليمنيون، اليوم، (الأربعاء 25 مارس/آذار2015) مخيف ومقلق، وهو، أيضاً، يحيل اليمنيين، خصوصاً الجنوبيين، إلى ذاكرة قريبة وقاسية لم تلتئم جراحها حتى اليوم، ذكرى حرب عام 1994؛ مشهد قوات قادمة من الشمال، بمسوغات غاشمة تأتي "الوحدة اليمنية" في مقدمتها، يقف الآن جيش، بكل عتاده، على مشارف عدن، والأخبار تتوالى عن سقوط المناطق والمعسكرات بسهولة، بفعل تواطؤ قيادات عسكرية وخيانات قيادات جنوبية، بحسب تأويلات يتناقلها اليمنيون في محاولة منهم لفهم ما يجري، بداعي حماية الوحدة وباستراتيجيات صالح نفسها، في اختراق جبهة الجنوب، يقف الجنوبيون متفرجين، مثل بقية اليمنيين، متلاهين عن مصابهم في التفكير بالسيناريوهات القادمة، وبحسن الظن بنخب جنوبية، ستعمل على الاستفادة مما يجري، لتحقيق العودة إلى دولة الجنوب، العودة إلى دولة ما قبل "الوحدة" التي لم يروا منها، حتى اليوم، سوى ذريعة للتنكيل بهم.
مثل العراق وسورية وليبيا، تطحن الأحداث السياسية المتسارعة، في اليمن، كل مستويات الحياة، بدءاً من الأمن وحتى الصحة والقوت اليومي، ويبلغ التعقيد في المشهد اليمني حداً يبدو فيه غير واقعي؛ وبدون إعادة سرد الأسباب الموضوعية التي أوصلت اليمن إلى هذا الحال، يقف اليمنيون، اليوم، بلا حيلة أمام فساد النخب السياسية اليمنية ومراهقتها، وتحالفات مراكز القوى اليمنية، وكذا نفوذ أطراف إقليمية ودولية، لا يهمها من اليمن سوى قدرتها على المساومة بمصير هذا البلد في صراعاتها. والمغيظ أكثر في حالة الاستلاب اليمني الراهن أن يقدم اللاعبون المحليون والخارجيون أنفسهم منقذين لليمنيين، بينما هم سبب ما يتعرض له اليمنيون، كما أن المعالجات التي يناقشها هؤلاء اللاعبون هي نفسها المعالجات التي عززت أسباب العجز والفشل الوطني في اليمن. بالتأكيد، تقع المسؤولية، بالدرجة الأولى، على اليمنيين أنفسهم، إزاء حالة الفشل والعجز الوطني، إلا أن هذا، أيضاً، لا يُعفي العالم من مسؤوليته الإنسانية، ولا يمنحه الحق في التعالي على اليمنيين، وتحميلهم ضريبة صراعات العالم، وجشعه وجنونه.
97D578E8-10ED-4220-B7E6-97386BBC5882
بشرى المقطري

كاتبة وناشطة يمنية