يحدث في المجتمع المصري

يحدث في المجتمع المصري

17 مارس 2015

الأمن المصري يقمع تظاهرة شمال سيناء (12أكتوبر/2014/الأناضول)

+ الخط -

يتعجّب بعضهم، في هذه الأيام، من تغيّرات خطيرة ظهرت على الشخصية المصرية، وكأنها مفاجأة. وليس في الأمر أي اندهاش، فقد حذرت كتابات كثيرة من ذلك، منذ أكثر من عام ونصف. ويتوقع مراقبون كثيرون ما هو أسوأ في المستقبل. فللأسف الشديد، يتجه المجتمع نحو مزيد من العنف والدموية واللامبالاة تجاه العنف والدم. وللأسف الشديد، أصبحت عبارات الماضي عن طيبة الشعب المصري وسماحته مجرد كليشيهات محفوظة، لا علاقة لها بالواقع. لم يعد الشعب المصري مسالماً ولا طيباً ومتسامحاً، وتتجه طباع المصريين نحو الأسوأ.

لم تكن واقعة ذبح الكلب الأولى، ولن تكون الأخيرة، فالمجتمع الذي لم يعد يهتم أو يتأثر أو يتعاطف مع ضحايا العنف، لن يهتم، بالتأكيد، بذبح متخلّفين كلباً في الشارع.

أصبحت أخبار الدم معتادة، أخبار التفجيرات، أخبار القتل والتعذيب في الأقسام والسجون. أصبح العنف المجتمعي والانتقام من الأمور المعتادة في ظل نظام 3 يوليو، فماذا ننتظر من شعب لم يتأثر بقتل 37 "مشتبهاً بهم" في عربة ترحيلات أبو زعبل، من دون محاسبة القاتل؟ ماذا تتوقع من شعب يصحو وينام على أخبار الدم في الشوارع، دم المتظاهرين السلميين، أو دم ضحايا التفجيرات الإرهابية، أو جنود جيش وشرطة "غلابة"، يؤدون واجبهم في حراسة المنشآت والممتلكات، أو دم أهالي "غلابة" في سيناء تقتلهم بالخطأ قوات تطارد إرهابيين، أو دم ضحايا حوادث الطرق، أو دم مصريين غلابة تم ذبحهم في ليبيا؟

ماذا تتوقع من شعب يستمع، كل يوم، لمذيعين يحرّضون على قتل المعارضين وشباب الثورة وذويهم بتهمة الخيانة؟ ماذا تتوقع من شعبٍ يستمع لوسائل إعلام تجامل الحاكم، وتوزع صكوك الوطنية، وتحرّض على إيذاء المعارضين، وتبرّر عنف الدولة والانتهاكات التي ترتكبها الشرطة كل يوم؟

لا يهتم العسكر، ولا الرئيس ذو الخلفية العسكرية، بالموضوعات التافهة، مثل العنف المجتمعي أو ميل المجتمع نحو العنف، أو يأسه من إمكانية تطبيق العدالة، أو الكفر بالطرق السلمية لحل الخلافات. لا يفهم العسكر إلا لغة القوة والعنف. لا يُلقون بالاً للعلوم الاجتماعية أو دراسات تحوّل سلوك الأفراد. لا يفهمون من يتحدث عن خطورة انتشار اليأس والإحباط بين الشباب، أو خطورة انتشار العنف المجتمعي. لا يهمهم سوى الدفاع عن مصالحهم الاقتصادية الخفيّة، ولا يفهمون غير لغة القوة والدم والعنف.

يعتبر العسكر المدنيين مواطنين من الدرجة الثانية، لا يهتمون، كما الرئيس العسكري، بوضع المدنيين في ليبيا قبل بدء الضربة الجوية الاستعراضية. لا يهمهم لماذا سافر مصريون إلى بلد غير مستقر، وفيه حروب أهلية، للعمل هناك، لأن الموت في ليبيا قد يكون أرحم من الموت جوعاً في مصر تحت ظل الحكم العسكري. لا يهتم عبد الفتاح السيسي وعسكره بالسياسة، ولا بعلوم الاجتماع والدراسات. لا يُلقون بالاً بإحباط الشباب، ولا بالتخطيط ودراسات الجدوى، وها هي مصر تنتقل من عشوائية إلى عشوائية أكثر، ومن جهاز العلاج بالكفتة إلى مشاريع الفنكوش ودعاية إعلامية كاذبة. المهم أن الحكم مستقر، وليذهب المجتمع إلى الجحيم.

في أثناء أزمة مباراة كرة القدم بين مصر والجزائر، قبل خمسة أعوام، والتي استغلها نظاما الحكم في البلدين أسوأ استغلال، كتب صحافيون عن اختلاف بين الشعبين المصري والجزائري، وكيف أن الشعب المصري الطيب المسالم الودي يختلف عن شعب الصحراء الجزائري الذي يتّصف بالعنف والحمية، وقارن صحافيون بين موجات الإرهاب في مصر والجزائر، ففي الجزائر اتسمت موجات الإرهاب بالدموية والعنف المجتمعي، وكيف أن إرهابيي الجزائر كانوا يبيدون قرى بنسائها وأطفالها، فيما لم يصل الإرهاب في مصر إلى وحشيته في الجزائر. أعتقد أن تلك الأمثلة لم تعد دقيقة، فالمجتمع المصري، الآن، أصبحت تحركه الفاشية والمكارثية وروح الانتقام واليأس والإحباط من كل شيء.

هل يدرك حكام مصر العسكريون ذلك؟ وكم نحتاج من دماء أخرى، حتى يدركوا ما تسببوا فيه؟ وهل يمكن أن ننقذ المستقبل، بعد كل الدموية والعنف التي أصبحت سمة الحاضر؟

DE3D25DC-9096-4B3C-AF8F-5CD7088E3856
أحمد ماهر

ناشط سياسي مصري، مؤسس حركة 6 إبريل، حكم عليه بالحبس ثلاث سنوات، بتهمة التظاهر بدون ترخيص، وأفرج عنه في يناير 2017