من ينقذ الصحافة اليومية في الأردن؟

من ينقذ الصحافة اليومية في الأردن؟

12 مارس 2015

صحف أردنية (Getty)

+ الخط -

تصنف معظم صحف الأردن اليومية الورقية باعتبارها صحفاً "شبه رسمية"، وخصوصاً "الدستور" و"الرأي"، وهذا التصنيف قانوني أكثر منه واقعي، فهي صحف رسمية كاملة، خصوصاً حين يتعلق الأمر بالصحف التي تصدر عن شركات مساهمة عامة، لمؤسسة الضمان الاجتماعي حصة الأسد فيها، وهذه المؤسسة، وإن كانت تدير أموال المواطنين الأردنيين، إلا أنها خاضعة لإدارة الحكومة التي تشرف عليها إشرافاً مباشراً. وبالتالي، ينسحب هذا الأمر إلى حد بعيد على الصحف اليومية المعنية، فسياساتها محكومة بسياسات الحكومات المتعاقبة، وهي التي تعين قياداتها بشكل مباشر أو غير مباشر، لا فرق، ولا يمكن أن يقف على رأس هذه المؤسسة، أو تلك، أحد من دون أن يحظى بـ "شرف" الرضى الحكومي. وبمعنى أكثر دقة، وبدون تجميل، يتم "تعيين" المسؤول، مديراً عاماً أو رئيس تحرير، بـ "رغبة" مباشرة من الحكومات المتعاقبة، ثم تجري الأمور في سياقها القانوني الشكلي، حيث يصدر القرار عن مجلس الإدارة الذي تصل إليه "الرسالة"، ويعمل بمقتضاها فوراً، ولا نعرف حادثة واحدة شذت عن هذه القاعدة.

هذه حقائق في الأردن، نعرفها جميعاً في الصحف، وإن كانت بعيدة عن التداول العلني، وبالتالي، هذه الصحف تحت الولاية المباشرة للحكومات، وما يجري فيها وما يحصل لها، سلباً أو إيجاباً، نتيجة لاجتهادات من يشرف عليها، ويتحكم في قراراتها وسياساتها، ممن عينتهم السلطات التنفيذية. ويبدو أن الأردن ليس فريداً في هذا الشكل من التعامل مع صاحبة الجلالة، السلطة الرابعة، بل هو نسق متبع في الغالبية الساحقة من بلادنا العربية، مع استثناءات قليلة جدّاً، وينبع هذا السلوك العربي من اعتبار الصحافة اليومية خصوصاً جزءاً من القطاع "السيادي" الذي يجب أن يكون "تحت العين" مباشرة، ومُتحكم به بشكل كامل، وفي الحوادث القليلة التي أفلتت فيها الصحافة اليومية من قبضة السلطة، كان مصيرها التغييب الكامل، أو "شد الأذن" والتقريع، و "الجرجرة" إلى القضاء. وبالتالي، ليس صحيحاً ما يقال لهذه الصحف: "أقلعوا شوككم بأيديكم"، لأن هذا الشوك ليس من صنع أيدي الصحف فقط، بل الحكومات المتعاقبة شريكة في زراعته، وبالتالي هي شريكة في تقليعه!

تخلي الحكومات المتعاقبة عن مسؤوليتها عن الصحف يشبه، إلى حد كبير، تخليها عن الضفة الغربية المحتلة، وقرار فك الارتباط، فتلك الأرض كانت جزءاً من المملكة من خمسينيات القرن الماضي، وبقيت كذلك حتى خضعت لاحتلال العدو الإسرائيلي في عام 1967، وهي جزء من المملكة، (وكان المنطق يقول إنه يتوجب "تحريرها" من الاحتلال، ثم فك الارتباط معها!) وفي بداية الثمانينيات، وقع قرار "فك الارتباط" وما تلاه من تمزيق أسر وسحب جنسيات، باعتبار أن من حصلوا على الجنسية الأردنية من أهل الصفة الغربية حصلوا عليها كجنسية "تجنيس"، وهي في الحقيقة كانت جنسية "تأسيس". ولا نريد أن نزيد كثيراً هنا، فالمشهد أكثر من مفهوم، لكنه وقع، مع فارق كبير هنا، هو أن الصحف لم تطلب أن يكون لها قرار مستقل، كممثل شرعي ووحيد عن الصحافة (!)، بل ظلت تنام في فراش واحد مع الحكومات المتعاقبة، ويسهران ويسمران معاً، ولم يسع أي من الجهتين لفك الارتباط الوثيق بينهما. من هنا، فإن الأزمة المالية الطاحنة التي تعاني منها الصحف اليومية، وخصوصاً "الدستور"، يجب أن يتحمل مسؤولية حلها الشركاء الرسميون، لا إدارات الصحف والعاملون فيها فقط، بحكم الولاية المباشرة، والتوجيه الدائم، وحتى التعيينات المستمرة، من هذه الجهات، أما أن يُقال اذهبوا أنتم وربكم فقاتلوا إنا ها هنا قاعدون، فهذا يعني التخلي عن واجب كلفت به الحكومات، وكانت جزءاً أصيلاً في صناعته. لذا، هي جزء أصيل من حله، وعلينا أن نعلم، هنا، أن هناك مئات الأسر المتضررة من أزمة الصحف، وهؤلاء جزء من المجتمع، وأمنهم الحياتي والمعيشي جزء من أمن المجتمع، وهم، بالمناسبة، فئة فاعلة، ولديها القدرة على التعبير والتأثير، ولا يستهان بما يمكن أن تفعله، إن شعرت بأنه تم التخلي عنها لمواجهة مصيرها وحدها، وقد أكلت لحماً، ورميت عظماً، وهذا أمر طبيعي تفرضه قوانين الحياة، فلا تنتظروا ممن خرب بيته، ووجد نفسه عارياً بلا عمل أن يدبج برقيات الشكر لمن تخلى عنه، وتركه وقد تقطعت به السبل ضائعاً، لا يجد ما يطعم أطفاله، أو يسد ديونه والتزاماته وقروضه.

قد يقال، هنا، كلام كثير عن حرية الصحافة واستقلالها، وما إلى ذلك من الكلام الذي لا يطعم خبزاً، فكلنا نعرف "الطابق"، ولا داعي لنبشه، فنحن في الأردن أمام كارثة تزلزل كيان مئات الأسر الأردنية، وبالإمكان تدارك خطر تفككها، وتدميرها، مع ما يترتب على هذا من رغبة جامحة في التعبير الخشن عن شعورها بالألم، ومحاولة الحفاظ على كرامتها، وكرامة أبنائها.