سوعاد وعيماد وسوهيل

سوعاد وعيماد وسوهيل

07 فبراير 2015

تشكيل من حروف عربية

+ الخط -
عاشت اللغة العربية، منذ سقوط بغداد بين يدي هولاكو سنة 1258، في مستنقع خربٍ، فاستنقعت بدورها، وكفت عن التطور والنمو، واقتصر المشتغلون بها على ألفية ابن مالك بشرح ابن عقيل، أو حفظ الأجرومية لابن آجرّوم. ولعل هذه الحال المهينة كانت دافعاً للتصدي لموت اللغة، آنذاك، فانبرى ابن منظور لوضع معجم "لسان العرب"، والفيروز أبادي لتأليف "القاموس المحيط"، ومرتضى الزبيدي لإنشاء "تاج العروس". وامتد عصر الانحطاط اللغوي طويلاً إلى أن بدأت العربية تشهد، منذ الحملة الفرنسية على مصر في سنة 1798، تطوراً متسارعاً في المصطلحات والمفردات، وفي تنوع الأساليب التعبيرية، فتغيّرت بنية الجملة، وتراجع النثر المسجوع أمام النثر الفني، وتحررت اللغة مع تقاليد الاستطراد والتطويل، لتتآلف مع البناء المعماري، فبدأ تقسيم النص إلى فقرات، وشاع استعمال علامات الوقف والاستفهام والترقيم. وفي هذا الميدان، عكف بعض اللغويين على التصدي لتسرب اللحن إلى الكلام، علاوة على الركاكة والفجاجة، فبادر إبراهيم اليازجي إلى تأليف كتابه "لغة الجرائد"، وعلى غراره كتب أسعد داغر "تذكرة الكاتب"، وحرص جورجي زيدان في مجلة "الهلال"، فضلاً عن "الضياء" و"البيان"، على تصويب لغة الكُتّاب، وتقويم اعوجاج الألسنة، بعدما كانت الأغلاط شائعة، والركاكة فاشية.
الخراب اللغوي نفسه يسود، الآن، أرجاء العالم العربي، وهو يتراصف مع الخراب السياسي والاجتماعي الذي يعصف ببلادنا، أيما عصف وتخريب. أما القائمون على أمور اللغة العربية، فقد احتكروها في معاجمهم اللغوية (أو في المعاهد الدينية)، وانعزلوا بها عن لغة الحياة اليومية، حتى صارت اللغة على أيديهم باهتة قاتمة كشجرة التراث، بينما شجرة الحياة خضراء خضراء. وإذا استمرت الحال على ما هي عليه، فسيأتي يوم يصبح العربي فيه مرغماً على تعلم العربية كلغة مندثرة، كي يتمكن من قراءة الجاحظ والمتنبي وطه حسين، تماماً كالتركي المعاصر الذي لا يستطيع قراءة أرشيف الدولة العثمانية. ومن مهازل الإعلام المعاصر أن إحدى الصحافيات في جريدة مشهورة كتبت اسم "لبنى" هكذا "لبنة". وإحدى الإعلاميات تكتب اسمها "يمنة" بدلاً من يمنى، لأن مختار قريتها كتبه هكذا في هويتها. والعجب العجاب في كتابة الأسماء والكنى والألقاب أنهم يكتبون "روبا" بدلاً من ربى، و"جينان" بدلاً من جنان، و"هيسم" بدلاً من هيثم، و"ماغدا" بدلاً من ماجدة، و"سلما" بدلاً من سلمى، و"عبلا" بدلاً من عبلة. وقد عثرنا في بطون الصحف والمجلات، ولا سيما في مصر ولبنان، على "يحيه" و "هالا" و"لايلا" و "نايلا" و"عايدا". ومن مضحكات هذا الزمان، ولو أنه ضحك كالبكاء، أنهم يكتبون أسماءهم على هذا النحو: "جوهينا" بدلاً من جُهينة (وهي قبيلة عربية معروفة)، و"رودينا" بدلاً من رُدينة (وهي المرأة الرشيقة كالرمح)، و"راندا" بدلاً من رندة (وهي واحدة الرند، والرند نوع من الشجر طيب الرائحة) و "جومانا" بدلاً من جمانة (والجمانة واحدة من الجمان، وهو نوع من الحجر الكريم)، و "ريهام" بدلاً من رِهام (وهو ما لا يصيد من الطير)، و"ستريدا" بدلاً من ست رضا (وهو اسم قليل الشيوع في لبنان وبلاد الشام، مثل ست الحسن وست الدار وست أبوها وست الأخوة). وإحدى النساء اللبنانيات سماها أبوها سلطانة، فحولت اسمها إلى "تانيا". وأختها، وهي زوجة أحد رؤساء الجمهوريات الراحلين في لبنان اسمها الأصلي نفنافة (أي الثلج المتساقط بتمهل)، فأصبح "نايلا". إنهم، ببساطة، يخجلون من أسمائهم العربية، فيحرّفون رسمها ولفظها لتتلاءم مع مجرى لسانهم الأعوج، لأن "كل فرنجي برنجي" (البرنجي هو الجيد والجميل في التركية)، وكأن هذا الانحطاط صار رقياً وتقدماً وحضارة. والرقي، في عرفهم، هو أن يرطن الواحد بثلاث كلمات انكليزية، مقفاة بأربع فرنسية، وخذ حضارة ست آلاف عام إلى الوراء.
لقد "طحلونا" فعلاً.