عن "فيسبوك" والشقاء الجنسي

عن "فيسبوك" والشقاء الجنسي

06 فبراير 2015
+ الخط -
ماذا يفعل أبناء قومنا على "فيسبوك"؟ كان هذا السؤال يدور في خلدي منذ فترة طويلة، إلى أن تعرفت على صديق في "فيسبوك"، يُدعى المهندس شهريار، والذي يبدو أنه كان منشغلاً بما انشغلت به، لكنه اتخذ خطوة عملية جادة للإجابة عن السؤال، وزودني بشكل حصري، بنتيجة عمله.
يضم موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" أكثر من مليار و110 ملايين مستخدم، منهم 680 مليون مستخدم للشبكة عبر الهواتف النقالة الذكية، كما قال مؤسسه، مارك زوكربيرغ. وشهد في العام 2012 أكثر من تريليون ضغطة على زر الإعجاب منذ فبراير/شباط 2009 وحتى العام 2012، إضافة إلى أكثر من 140 مليار اتصال بين الأصدقاء، وتم رفع أكثر من 219 مليار صورة، علماً أن هذا العدد لا يشمل الصور المحذوفة، ولو شملها لأصبح العدد 265 مليار صورة، وتم تحميل أكثر من 62 مليون أغنية على "فيسبوك" في ثلاثة أعوام، تم تشغيلها أكثر من 22 مليار مرة، أما متوسط عمر المستخدمين على "فيسبوك" فهو 22 سنة.

استطلاع

طلب شهريار من إحدى صديقاته، وهي مهندسة بعيدة تماماً عن الأوساط الفيسبوكية، أن تنشئ لها عدة حسابات على موقع التواصل الاجتماعي بأسماء أنثوية صريحة، وأن تختار هذه الشخصيات الوهمية من بلدان عربية مختلفة، ومهن مختلفة وفئات عمرية مختلفة، حتى يكون الأساس الذي يبني عليه مادة بحثه، واستبيانه الخاص، علمياً عن طبيعة اهتمامات الشباب العربي، على أحد أكثر مواقع التواصل الاجتماعي شهرة في العالم، وقد تعمّد جعل جميع الحسابات بأسماء أنثوية، لكي تلاقي القبول عند الجنسين، فالإناث لا يترددن ولا يتحرجن بإضافة صديقة أنثى، والذكور كذلك يفعلون، وقد صمم مهندسنا استبانة خاصة بالبحث الذي استمر عاماً. غطت الاستبانة الإجابة عن الأسئلة المستهدفة، وجرى تغذيتها يومياً، فجاءت النتائج على النحو التالي:
- وصل عدد الأصدقاء المضافين على الحساب الواحد إلى 5000 صديق خلال 213 يوماً تقريباً.
- عدد طلبات الصداقة بلغت قرابة 23 طلباً يومياً.
- كل طلبات الصداقة كانت موجهة من الأصدقاء فقط، وليس من صاحبة الحساب.
- متوسط عدد الساعات التي يقضيها الذكور على موقع "فيسبوك" بلغت4.27 ساعة.
- متوسط عدد الساعات التي تقضيها الإناث على "فيسبوك" بلغت 3.75 ساعة.
- طبيعة المواضيع المطروحة على الصفحات كانت متعددة، وشملت المواضيع الثقافية العامة، والدينية، والسياسية، والاجتماعية، والوطنية، والصور الشخصية، والمناسبات العامة والخاصة، كأعياد الميلاد وغيرها، ومواضيع العلاقة بين الرجل والمرأة، ومواضيع المرح والألعاب والتسلية المختلفة، كالطرف والألغاز والأسئلة العامة ... إلخ.
- نسبة طلبات الصداقة من الذكور بلغت 79%، ومن الإناث 21%.
- أهداف الذكور من الصداقة جاءت: 74% صداقة من أجل أهداف جنسية. 13% من أجل الحب والزواج. 8% من أجل التعارف. 3% من أجل الدعوة الدينية أو السياسية. 2% من أجل الثقافة والمرح والتسلية والفن وتبادل الأفكار.
- أهداف الإناث من الصداقة جاءت: 88% صداقة من أجل التعارف. 6% من أجل الثقافة والتسلية والفن وتبادل الآراء والأزياء والموضة. 5% من أجل الدعوة الدينية أو السياسية. أقل من 1% من أجل أهداف جنسية (الشذوذ).
تنوعت الأطياف الاجتماعية والمهنية والأيدولوجية للصداقات المضافة بشكل واسع، فشملت الناس العاديين والمثقفين والمهنيين، من أطباء ومهندسين ومحامين وأساتذة جامعات ومدراء شركات ورجال أعمال ومعلمين وصناع وحرفيين وكتاب وشعراء وسياسيين وإعلاميين، بالإضافة إلى أشخاص لديهم أفكار سياسية ودينية خاصة. ويصعب حصر النسبة المئوية لهذه الأطياف، لكثرتها وتعددها. ولكن، بلغت نسبة الجامعيين وأصحاب الشهادات في طلبات الصداقة قرابة 94%، ونسبة 6% من غير أصحاب الشهادات كالحرفيين والصناع وربات البيوت وغيرهم.
- تنوعت الأديان للصداقات المضافة بشكل واسع أيضاً. ولكن، بنسب متفاوتة، فشملت المسلمين بنسبة 96%، والمسيحيين بنسبة 3%، وأدياناً أخرى بنسبة 1% كاليهودية والهندوسية والبوذية ... إلخ.
- النسبة العظمى من الصداقات كانت من الوطن العربي، بنسبة (98%). ونسبة 2% من دول أخرى، كتركيا وإيران والهند والكيان الإسرائيلي وأوكرانيا ودول أميركا الجنوبية.
- كانت الفئات العمرية للأصدقاء كالتالي: 63% من عمر 18 إلى 35 سنة. 23% من عمر 35 إلى 55 سنة. 14% فئات عمرية متنوعة.
- الحالة الاجتماعية للأصدقاء كانت: غير متزوج بنسبة 71%. متزوج أو مرتبط بشكل عام بنسبة 29%.
- التفاعل مع المواضيع المطروحة، من حيث عدد التعليقات والإعجابات والمشاركات كانت: 41% للمواضيع المختصة بالعلاقة بين الرجل والمرأة. 13% للمواضيع المختصة بالمرح والتسلية والألعاب. 19% للمواضيع المختصة بالصور الشخصية. 11% للمواضيع المختصة بالأمور الدينية. 10% للمواضيع الثقافية العامة. 6% للمواضيع السياسية
والاجتماعية.
- نسبة الأسماء الحقيقية للذكور في الصداقات المضافة بلغت 92%، ونسبة الأسماء المستعارة والألقاب بلغت 8%.
- نسبة الأسماء الحقيقية للإناث في الصداقات المضافة بلغت 62%، ونسبة الأسماء المستعارة والألقاب بلغت 38%.
- نسبة الذكور الذين يضعون صورهم الحقيقية على صفحاتهم بلغت 97%. و3% لا يضعون صورهم الحقيقية، لأسباب دينية أو أمنية، أو أسباب شخصية خاصة.
- نسبة الإناث اللواتي يضعن صورهن الحقيقية على صفحاتهن بلغت 2%، و98% لا يضعن صورهن الحقيقية، لأسباب تتعلق بالعادات والتقاليد بصورة كبيرة، أو لأسباب دينية أو أمنية، أو أسباب شخصية خاصة.

نتائج وملاحظات

شكلت نتائج هذا الاستطلاع، كما يقول معده، صدمة بسبب سعي الرجل العربي، بشراهة، خلف نزواته، ومحاولة إشباع شهوته الجنسية، عن طريق الصداقات التي يكونها على هذا الموقع، أو بقية مواقع التواصل الاجتماعي. ناهيك عن الضعف العام لاهتمام الشباب الملاحظ في المواضيع الثقافية العامة والفكرية والسياسية، وقد تم الانتهاء من هذا الاستطلاع في 1/6/2013، وهو يحتاج لدراسة معمقة، لأنه يحمل دلالات شديدة الأهمية.
أكثر ما يلفت النظر في هذا الاستطلاع الذي يتوفر على قدر من العلمية، ما يتعلق بأهداف دخول "فيسبوك"، سواء من الذكور، أو الإناث، فالفريقان تتجانس لديهما الرغبة في دخول هذا الموقع، وإن كان الذكور أكثر صراحة في كشف "نياتهم"، حيث قال منهم ما نسبته من المشاركين في الاستطلاع (74%) إنهم يدخلون "فيسبوك" بحثاً عن صداقة من أجل أهداف جنسية. فيما قال 88% من الإناث إنهن يبحثن عن صداقة للتعارف، وتنطوي كلمة تعارف، هنا، على معنى مضمر، يتضمن ما تضمن هدف الذكور. وأحسب أن هذه النتيجة تؤكد ما
أسميه "الشقاء الجنسي" الذي يعاني منه الشباب العربي، ويقف سداً منيعاً أمام أي تطور، أو تحرر اقتصادي، أو سياسي، أو اجتماعي، بل أحسب أن بقاء المشكل الجنسي بدون حل حقيقي وشامل سيُبقي المجتمع العربي في حالة من التخلف والتبعية، بسبب هدر كثير من أوقات القوة المحركة الأساسية فيه، وهم الشباب، أسرى حالة محزنة من الكبت والحرمان الجنسي. وأزداد قناعة، يوماً فيوماً، بأن دفن الأزمات الاجتماعية، وترحيلها إلى المجهول، والتكتم عليها، باعتبارها غير موجودة، يسهم في إخراج أجيال مشوهة نفسياً، ومعاقة اجتماعياً، غير قادرة، بالتالي، على اجتراح أي إبداع سياسي أو اقتصادي، بل إن تشويه الوعي الاجتماعي يسهم في تشويه المجتمع كله، ويخرج أجيالاً من الرجال والنساء غير مكتملي النمو، وغير قادرين على تكوين أسر صحية، ولا مجتمع حيوي حي، قادر على مواجهة التحديات التي تواجهه.

حاجات أساسية
أخطر أنواع الاستبداد، وأشرسها، هو الاستبداد الذي يحرمك من حاجاتك الأساسية، وبالتالي، يتركك في حالة مريعة من الشقاء، تمنعك من أي إبداع، ونستحضر، هنا، تدرج الهرم المعروف باسم هرم ماسلو، وهي نظرية وضعها عالم النفس، أبراهام ماسلو، وتناقش ترتيب حاجات الإنسان؛ وتتلخص في الخطوات التالية: يشعر الإنسان باحتياجه أشياء معينة، ويؤثر هذا الاحتياج على سلوكه، فالحاجات غير المشبعة تسبب توتراً لدى الفرد، فيسعى إلى البحث عن إشباع هذه الاحتياجات التي تتدرج في هرم، يبدأ بالاحتياجات الأساسية، اللازمة لبقاء الفرد، ثم تتدرج في سلم يعكس مدى أهمية الاحتياجات. وقد تؤدي الحاجات غير المشبعة مدداً طويلة إلى إحباط وتوتر حاد، قد يسبب آلاماً نفسية، ويؤدي ذلك إلى حيل دفاعية عديدة، تمثل ردود أفعال، يحاول الفرد، من خلالها، أن يحمي نفسه من هذا الإحباط. وتتدرج الحاجات، حسب أهميتها، في شكل هرمي، ويتكون هذا الهرم من: الاحتياجات الفيزيولوجية، احتياجات الأمان، الاحتياجات الاجتماعية، الحاجة للتقدير، الحاجة لتحقيق الذات، وسأتوقف فقط عند الحاجات الأهم، وهي الأولى، التي تشتمل على الاحتياجات اللازمة للحفاظ على الفرد وهي: الحاجة إلى التنفس، الـطعام، الماء، ضبط التوازن، الجنس، الإخراج، والحاجة إلى النوم، ولنا أن نتخيل ما حالة أجيالنا من الشباب ذكوراً وإناثاً، حينما يُحرمون من كل أو جل هذه الحاجات، وماذا يبقى من آدميتهم!
لجوء الشباب العربي إلى "فيسبوك"، بقصد إشباع واحدة من أهم الاحتياجات الفيزيولوجية، إمعان في حك الشهوة، أكثر منه إشباع لها، بل إنه يسهم في مزيد من تشويه الشخصية، ويمنعها من أي إبداع حقيقي.
إذا كان "فيسبوك" للشباب العربي ساحة لتصفية شهوات مكبوتة، فإنه كان لبعض النشطاء العرب طريقهم إلى السجن، إذ أصبحت صفحات كثيرة أكثر رواجاً وانتشاراً من مواقع إخبارية كبرى. وبينما تنشط أعداد كبيرة من الشباب في العالم على شبكات التواصل الاجتماعي، فإن أجهزة الأمن تبذل قصارى جهدها لمراقبة الأنشطة على هذه الشبكات، ورصد كل ما قد يضر الاستقرار والأمن، أو ما يمثل انتهاكاً للقوانين المعمول بها، ولا استثناء هنا ما بين عرب وعجم.
"فيسبوك"، الآن، أحد مظاهر هذا العصر الأكثر أهمية، وهو يؤثر في حياة الملايين، وبدأ يلعب دوراً خطيراً في صناعة الوعي الجمعي، والرأي العام، أكثر ربما من أعرق المؤسسات الإعلامية في العالم. وله جوانب عدة، وتجليات اجتماعية وسياسية وأمنية. فقد اعتقلت سلطات الاحتلال الصهيوني نشطاء على "فيسبوك"، من فلسطينيي الداخل والضفة الغربية. وعربياً، تزداد ملاحقات الأجهزة الأمنية لهؤلاء، وخصصت دول عربية أجهزة كاملة بكوادر جرارة، فقط لمراقبة نشاط هؤلاء النشطاء، فيما عدلت دول تشريعاتها (منها الأردن)، بحيث تشمل "العقوبات" ما ينشره النشطاء على موقع "فيسبوك" ومواقع أخرى للتواصل الاجتماعي.
(كتب صالح النعامي أخيراً: تقرير مثير في "ميكور ريشون" حول وحدة "حتساف" التي مهمتها جمع معلومات استخبارية عن الفلسطينيين من خلال ما ينشرونه في مواقع التواصل الاجتماعي. وقائد الوحدة يؤكد أنه من كثرة ما يتم جمعه من معلومات باتوا يحتارون بأي المواد يهتمون). وقد غدا "فيسبوك" يحتاج أن يكون ربما مادة دراسية في الجامعات والمدارس، وفي داخل الأسرة أيضاً، لما يسببه من إشكالات ومتاعب، وانفتاح غير مسبوق على الكوكب كله.