نقتلهم ويدخلون في ديننا

نقتلهم ويدخلون في ديننا

24 فبراير 2015

عمل لـٍ(نيلو فيتوليا)

+ الخط -

نجتهد لكي نصدق المعجزة التي تجعل شعوب الدنيا تفتح قلبها لديننا، كلما قتلنا منها نفراً أو جماعة! ونردد على مسامعنا، كما في هاوية بين جبلين: يزداد عدد المعتنقين للإسلام بعد مجزرة "شارلي إيبدو". ثم نتذكر من جديد معجزتنا في غزوة نيويورك، في "11 سبتمبر": توافد علينا كثيرون للصلاة على النبي الكريم، بعد أن قتل أناس منا ثلاثة آلاف نفر منهم!

وسننتظر حصول المعجزة، من جديد، في ليبيا الحديثة، بعد أن ذبحوا باسمنا 21 قبطياً: هل سيعود نصارى نجران إلى لقاء النبي، أم هل يعودون بدون رؤوس إلى الفسطاط في مصر، ويعلنون انعتاق الشرق من مسيحه الأخير؟

سننتظر أن يدخل الإسلام من جديد في ليبيا، بعد أن أصبح الإيمان مهنة البوليس الأيدولوجي الجديد!

آه، كم يحبوننا عندما نعبر لهم عن حبنا بالسيف، وكم يفرحون بالإيمان بما نؤمن به، بعد أن نقتلهم، فرادى أو جماعات. لم نعد نسلم بالمبررات التي تجعلنا أحسن آدميين فوق الأرض، وتحتها أيضا، فقط، بل صرنا نعتبر أن من واجب الذين نقتلهم أن يؤمن الأحياء منهم مباشرة بعد دفن الضحايا. والغريب أن الذين يقنعوننا بأمر كهذا يقدمون الأرقام، كما لو أنهم اكتشفوا، فجأةً، أن الشعوب تفرح بإبادتها، وبحرق أبنائها. وإذا استمر هذا المنطق إلى نهايته، ستصبح داعش أكبر داعية إسلامي في التاريخ، وتكون قد نشرت الإسلام بالسيف أكثر من أريحية الإسلام نفسه. وسنكون، شعورياً أو لا شعورياً، ممتنين لهؤلاء الجزارين والقتلة، لأنهم يهيئون قلوب الأعداء للدين الحنيف! ونكون ممتنين لهؤلاء الذين بدأوا بقتلنا قبل غيرنا، لأنهم يعرفون اللغة التي تعرفها القلوب الكافرة، ويجيدون تطويع الدنيوي للسماوي.

لنا طريقتنا التي لم تسبقنا إليها أي معجزة، منذ عهد المايا وشعوب الأزتيك إلى يوم الناس هذا: نحن نقتلهم، لكي يشعروا بالذنب، ولكي يعرفوا أن الخلاص بيدنا. المضمر الرهيب في هكذا تعريف مفاده بأنه لا جدوى من الكلام الطيب. لا جدوى من رسالة الحضارة في دين الشرق العرب. لا جدوى من الجدال بالحسنى. لا جدوى من أكثر من 90 % من الكلام الرباني في كتاب الله عز وجل. لا جدوى من دعاء الأنبياء، يكفي كلاشنيكوف وثلاثة حمقى، وسيزداد دين النبي وسواد أمته. والحقيقة أننا لا نلتفت إلى ما في المعادلة من مكر، ومعناه أن اعتناق الإسلام حقاً يتم ضدنا، وليس فيه من رسالة جديدة سوى أننا لا نستحقه أكثر منهم! قتلناهم أو هديناهم!

والغريب أن المعجزة لا تسير أبداً في الطريق السيار، لها طريق واحد لا يصل إلينا: فكم تعرضنا، نحن العرب المسلمين، لقتل الغرب المسيحي، ولم نشعر أبداً بأن علينا أن نعتنق المسيحية.

وكم قتلتنا إسرائيل، ولم نجد الحاجة أبداً إلى أن نصبح يهود الديانة. ولم نشعر قط، في أية لحظة، بالحاجة إلى أن نغفر لهم قتلهم بأن نصبح مثلهم. ولم نغن وراء حائط المبكى بلغة العرب!

ما نعرفه أنهم، في داعش، يستبيحون اليهود الأفراد في متجر باريسي، لكنهم، في محفل الدولة الغامضة ينفون أن تكون للرب نية في أن يبعثهم إلى مدينة إسرائيل الكبرى لقتل الاحتلال!

نحن نسقط في فخ الامتنان للقتلة منا، كما لو كنا أثرياء الرعب، إذ إن أمة بكاملها تعتقد أن كل جريمة سيتبعها جيل جديد من العلوج المؤمنين، ونروج ذلك، بمن فينا الذين يصفقون للحاكم العربي الذي يقتل أهله، من دون أن تعقب ذلك موجة إسلام متجددة.

خطورة هذا الاعتقاد في أننا ننتظر أن يقتلوا الآخرين، لكي يؤمن الآخرون، ونسمّد نحن الأرضية لذلك بأن نجعل وراء كل عملية قتل مناسبة لنصر الله. وعلينا في الحقيقة الدينية التي نحن مشبعون بها أن نقوم بالعكس، ونصرخ: لا نصدق، أبداً، أن قتلكم الناس يقودهم إلى ديننا، نريدهم أحياء يملأون أرضنا، ويسعون إلى إنقاذنا من الجهلة والجلادين.

نريدهم إخوة كاملين، وليسوا منهم قتيل سابق قاد حيا إلى... الكعبة!

768EA96E-E08E-4A79-B950-D8980EE5911C
عبد الحميد اجماهيري

كاتب وشاعر وصحفي مغربي، مدير تحرير صحيفة الاتحاد المغربية، مواليد 1963، عمل في صحيفتين بالفرنسية، من كتبه "أوفقير .. العائلة والدم.. عن انقلاب 1972"، ترجم كتابا عن معتقل تازمامارت. مسوول في فدرالية الناشرين المغاربة.